قررت اليزابيث هولمز قراراً غريباً بالنسبة لأقرانها، وهي أنها لن […]
قررت اليزابيث هولمز قراراً غريباً بالنسبة لأقرانها، وهي أنها لن تكمل دراستها النظامية، وستتخلى عن الدراسة لبدء مشروعها الناشئ الجديد كانت شابة شقراء جميلة، وهي في التاسعة عشر من عمرها آنذاك.
كان هذا جنونا بلا شك، لأن مقاعد الدراسة التي سوف تتركها هي جامعة ستانفورد العريقة، التي يحلم الجميع بأخذ دورة تدريبية بها، ما بالك الدراسة النظامية في اروقتها.
كانت هولمز عاشقة للكيمياء، ليس مجرد دراسة، بل رأت انها تمثل كل الحياة بالنسبة لها. ومن هنا بدأت قصة اليزابيث هولمز ، في البداية كقصة لشابة عصامية مُلهمة حصدت المليارات ، ثم انتهت بأغرب نهاية ممكنة وأكثرها مأساوية.
عندما تخلت هولمز عن دراستها، قررت اطلاق شركتها الخاصة التي أسمتها ” ثيرانوس ” برأس مال بسيط، وضعت فيه كل الاموال التي كان من المفروض أن تنفقها في دراستها الجامعية بالاساس.
رأت الشابة الطموحة انه من الافضل استغلال هذه الاموال مبكراً في امور اكثر فعالية من الدراسة، وهي تأسيس شركتها الجديدة.
ومع اعتراض أبويها الشديد على هذه الخطوة، بإعتبار ان التخلي عن ستانفورد للبدء مشروع خاص أمر اقرب للجنون، وان هناك متسع من الوقت لبدء المشاريع الخاصة بعد التخرج، الا ان هولمز كانت مصممة على البدء. عُرف عن هولمز انها طفلة لطيفة ومهذبة ، ولكنها تمردت من اجل هذه الخطوة.
كانت فكرتها هو تأسيس شركة تعمل على جعل ” تحاليل الدم ” أكثر سهولة ورخصا واقل الما وكُلفة ، وذلك عبر أدوات تقنية لسحب العينات من المريض بشكل اكثر سهولة، والاحتفاظ بها في قنّينة صغيرة تسمى نانو تاينر. هذه القنّينة تعتبر سحراً علمياً وتقنياً بكافة المقاييس.
من خلال هذه القنينة الصغيرة التي تجري اختباراً أطلق عليها ” اختبار اديسون ” والذي يقوم عبر عينة بسيطة من الدم، باجراء تحاليل اساسية مثل السكري والكولسترول ، وتحاليل متطورة مثل تشخيص الاورام وامراض القلب والتحاليل الوراثية شديدة التعقيد.
كل ذلك في زمن قياسي ، لا يتجاوز الاربعة ساعات فقط ، وبأقل قدر من الخطأ ( هامش بسيط جدا من الخطأ المعملي).
باختصار، كانت فكرة شركة ” اليزابيث هولمز ” تعتبر ثورة كاملة في عالم التحاليل الطبية، والتي ستسرع بشكل هائل اكتشاف الامراض بشكل مبكرة والتحذير من امراض اخرى، في لا وقت ، وبالتالي ثورة كبرى في عالم الطب بشكل عام.
بمظهرها اللطيف، واسلوب حديثها الهادئ، استطاعت اليزابيث هولمز تسويق فكرتها ببراعة مذهلة. هذا ليس مستغربا، حيث كانت قد درست بشكل فعال اهم مبادئ التسويق والبيع في الشهور التي قضتها في الجامعة، وبدأت تنتشر في امريكا لتسويق فكرتها امام كبار المستثمرين.
وكان المستثمرون يتساقطون واحدا تلو الآخر امامها ، مع روعة فكرتها ، حماسها في عرض الفكرة ، ادواتها. لم يشعروا بالشك ولو للحظة واحدة ، ومنهم الملياردير الأمريكي لاري أليسون.
الجميع استثمروا معها مبالغاً طائلة ، دون حتى ان يقضوا وقتاً كافيا في التمعن في قراءة الوثائق او دراسة مشروعها بعناية.
حتى وزير الخزانة الامريكي ،اقتنع بفكرتها وساهم معها للاستثمار، الى جانب وزير الدفاع السابق ، وعائلة والتون التي تعتبر من اكبر العائلات الامريكية ثراءً. الجميع اعترف بها وبفكرتها، وأيّدها بشكل كبير.
بل حتى وزير الخارجية الاسبق الشهير هنري كيسنجر ، استثمر في مشروعها ، وقطب الاعلام الابرز ” روبرت ميردوخ ” قام بالموافقة بتمويلها.
وبالتأكيد، كلما زاد الدعم من اسم موثوق، جذب انظار المزيد من الأشخاص لدعم المشروع، باعتبار انه يستثمر في مشروع استثمر فيه شخص آخر له ثقة كبيرة في اوساط السوق والاستثمار.
حتى أساتذة الطب في هارفارد، ومنهم طبيب يدعى جيفري فلاير كان عميدا سابقا لكلية طب هارفارد، قال أنه ألهم تماما بهذه الفكرة، وأنها كانت واثقة من نفسها تماما عندما سألها العديد من الاسئلة،.
رغم انها ردت ردوداً عامة وخالية من التفاصيل. بدا له غريبا هذا بعض الشيء ، ولكنه تجاوزه بسبب تأثره بروعة الفركرة وشخصية هولمز الكاسحة.
بقدوم العام 2014، بعد وصول اليزابيث هولمز الى سن الثلاثين، كانت شركتها قد جمعت رأس مال بقيمة 9 مليار دولار ، ووصلت ثروة هولمز الى 4.5 مليار دولار، مما جعلها اصغر مليارديرة عصامية في العالم على الإطلاق، حصلت على ثروتها بدون أن تحصل على ميراث.
ولقبتها فوربس ” بأصغر عصامية مليارديرة في العالم ” ، وبينما وصفتها مجلات أخرى بأنها ” ستيف جوبز الجديد “.
كان كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح. التمويلات ضخمة ، والفكرة ممتازة ، والمنتج المبدئي موجود. وكانت اليزابيث هولمز تنتشر في كل مكان ، وتظهر في كل الصحف ، وكل وسائل الاعلام ، وصورتها تمثل غلافا دائماً في مجلات البيزنس.
الى ان حدث آخر شيء يمكن توقعه!
في العام 2015، بدأت الشكوك تحيط بجدوى فكرة هولمز ، وكفاءة منتجها الثوري. لم يكن المنتج الذي تعمل عليه الشركة بهذه الفعالية ، وبدأت اصوات خفيضة تتهم إليزابيث هولمز بالاحتيال.
ومع عدم قدرتها على الرد ، او ردودها الضعيفة ، تعالت الاصوات بأن هذه الشركة تمارس الاحتيال على المستثمرين والاطباء والمرضى ، وان هناك شيء ما خطأ يحدث.
على مدار الاعوام الثلاثة التالية، فشلت شركة ثيرانوس في تقديم اي منتج جدّي، وبدأ المستثمرون ينهالون بقدر هائل من الدعايا والقضايا لاسترداد اموالهم واتهام هولمز بالاحتيال،
قال صحيفة الوول ستريت جورنال ان الجهاز مفبرك، وان اليزابيث هولمز وشركتها استعانت في اختباراتها بدوات طورتها شركات اخرى وموجودة في السوق بالفعل. تخلي الشركاء عن هولمز تجنباً للمسائلة القانونية ، ومنع الجهاز في العام 2016.
بقدوم العام 2018 ، صدر أمر قضائي بحلّ شركة ثيرانوس بالكامل ، وتم توجيه اتهامات الاحتيال للشقراء التي كانت قد كُرّمت منذ سنوات بأنها أصغر مليارديرة عصامية في العالم !
في العام 2018، استطاعت هولمز تسوية مبالغ ضخمة قدرت ب 700 مليون دولار، اتهمت انها جمعتها عبر الاحتيال من مستثمرين كبار.
لاحقاً، تم القبض عليها مع شريكها، بتهم اخرى تشمل تضليل الاطباء والمرضى والدعم المالي.
افرج عن هولمز في العام 2019 بكفالة ، وتزوّجت من رجل اعمال يملك سلسلة فنادق ضخمة، ورزقت منه بطفل.
ومع استمرار المحاكمات، فإن سلسلة الادانات الموجهة لها، تقول انها قد تصل الى الحكم بالسجن لمدة 20 عاماً.
أصبحت هولمز مثالاً لرجل الاعمال الذكي واللطيف الذي يبيع الهواء مقابل مليارات الدولارات، واصبحت تمثل جرس انذار للكثيرين من رواد الاعمال الذين ينتهجون هذا المبدأ.
قصتها مرشّحة لأن تتحول الى فيلم هوليودي كبير، كعادة هوليود في انتاج افلام كبار المحتالين ، مثل فيلم ” ذئب وول ستريت ” الذي نال شهرة واسعة تجسيداً لرجل الاعمال المحتال ” جوردان بيلفورت ” الذي جسده الممثل المخضرم ليوناردو ديكابريو.