تونس الآن لم يخطئ القائلون بأن التاريخ يعيد نفسه حتى […]
تونس الآن
لم يخطئ القائلون بأن التاريخ يعيد نفسه حتى في ظل اختلاف الظروف والملابسات والفاعلين، ولعلنا نجد في أيام المحنة هذه أياما ربما عاشها السابقون لنا بعقود أو بقرون، ذلك أن المعاناة الإنسانية تبقى هي نفسها خصوصا في آلام الأوبئة ومرارة نتائجها وأبرزها نقص الأغذية والخشية دوما من الجوع أو من المجاعة الرديف الطبيعي للوباء.
أسوق هذا الكلام تعقيبا على سليم سعد الله رئيس منظمة الدفاع على المستهلك الذي قال في تصريح إذاعي “اللي صاير عالسميد ظاهرة عمري ما عشتها… تعودنا على نقص الزيت والسكر والفارينة لكن السميد أوّل مرّة”، ولكن يبدو أن المسؤول عن حماية المستهلك ( بفتح اللام وأيضا بكسرها) لم يعش فترة التعاضد وجانبا من مآسيها، فإذا كان هناك من خسر محلاته التجارية أو أراضيه فإن هناك أيضا من لم يكونوا تجارا أو فلاحين كبارا، كان هناك عامة الشعب أو قل الطبقة الوسطى التاريخية وما دونها.
هؤلاء العامة وفي مكان ما بالجنوب وفي فترة الستينيات وتحديدا 1969 العام الذي وضع فيه بورقيبة حدا لتجربة التعاضد بقيادة أحمد بن صالح ليقرر فيما بعد محاكمته بتهمة الخيانة العظمى، في ذلك المكان كان يستوجب على كل عائلة الاكتفاء بكلغ واحد من مادة السميد الخاضعة للتقسيط إلى حين وصول موعد “الدفعة” الموالية.
كان لا بد من الوقوف في الطابور أمام عطار الحومة لاقتناء كلغ السميد بينما العطار يحملق في الوجه محاولا “تسجيل” حرفائه وبالأحرى العائلات الحريفة لأن محاولة أية عائلة أن ترسل أبناءها فرادى لاقتناء السميد كانت تبوء بالفشل فذاكرة العطار قوية وصارمة فلا مجال للمحاباة أو لاحتكار السميد مثلما يحصل اليوم..
كانت هناك في تلك الأيام الصعبة خشية من “الحاكم” (بالمفهوم السياسي وليس الأمني)، كانت هناك صرامة فحتى أهم وزير في حكومة بورقيبة (بن صالح) انتهى به المطاف في السجن مثقلا بأعلى تهمة في هرم التهم، إذن من كان في مقدرته أن يتجرأ على الممنوع والمحظور؟.
ذلك عهد ..وحاليا نعيش عهدا آخر لم يمنع رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك من التعبير عن استغرابه وتذمره الشديد من “تمنع” و”دلال” مادة السميد بل وحتى “اغتصابها” من قبل عديمي الضمير.
ن. ع