كنت سأحدثكم عن آفة الإرهاب التي عادت إلى الساحة الوطنية […]
كنت سأحدثكم عن آفة الإرهاب التي عادت إلى الساحة الوطنية هذا الأسبوع ولكن تكريما لشهيدنا الأمني الذي ذهب فداء للوطن ووقوفا إلى جانب رفقائه من المصابين فضلت أن ألوذ بالصمت في انتظار ما ستثيره هذه الفاجعة من ردة فعل سياسية تليق بما ينتظره قوات الأمن الداخلي والمجتمع بغالبيته الساحقة من قبل السلطة الحاكمة.
في انتظار ذلك سأذهب إلى ما أصابنا وأصاب العالم بأسره هذه الأيام من جراء الفيروس التاجي لما يثيره فينا من مشاعر الهوس والهلع وفي نفس الوقت من الضحك والأسف لكثرة ما سمعناه من الروايات والإشاعات والفتاوى وما تداولته الشبكات الاجتماعية من نكت ونوادر وخرافات. وبقدر انتشار هذا الوباء في العالم بقدر ما يستبطنه أو يفرزه من مشاعر وردود فعل لا تحصى ولا تعد تراوح، على اختلاف أنماطها، بين من يرى فيه علامة على نهاية العالم، وبين من يطرح السؤال “من المستفيد من الجريمة” بما يعني انه مجرد صراع بين القوى العظمى مع الجزم لدى البعض بغليظ القسم بصحة نظرية المؤامرة التي تقف وراء تفشي هذا الوباء بإيعاز من المعروفين بمشاعر الجشع من أصحاب صناعة الأدوية والتلاقيح.
لا علينا، طالما أن ذلك كله تخمينات واستنتاجات . ولكن بعد أن دخل فيروس كورونا حدود أمريكا بدون جواز، سمعنا هذه الأيام تصريحا أعلن فيه نائب الرئيس الأمريكي خلال مؤتمر صحفي عن الموعد المتوقع للتوصل إلى علاج لهذا “الضيف الثقيل”. وأعلن مايك بنس أنه قد يكون بالإمكان التوصل إلى عقار بحلول هذا الصيف أو الخريف.
وطبعا ، لم يكن منتظرا أن يخرج من جلباب المتحدث العلاج الفوري لأنه فضّل دون قصد مزيدا من التشويق على حساب صبر من ينتظر العلاج على جمر اللظى حيث قال السيد بنس: “اللقاح قد لا يتوفر حتى نهاية العام أو العام التالي، لكن العلاج لتخفيف آلام الأشخاص الذين يلتقطون الفيروس قد يصبح متوفرا بحلول الصيف أو بداية الخريف”.
فاصبروا و صابروا أيها الناس حول العالم… فالدواء قريبا ويأتي بعده اللقاح. والى حد الآن تفيد الأخبار انه تم استخدام مضاد للجراثيم تنتجه إحدى الشركات لمعالجة مصاب في الولايات المتحدة كجزء من التجارب الطبية، والذي أدرج كعقار ضمن التجارب التي تقوم بها دول آسيوية لمكافحة الفيروس. ومن بين العلاجات الأخرى المحتملة تشير الأخبار الواردة إلى عقار تطوره شركة أخرى للأدوية، التي تستخدم مضادات لمحاربة العدوى، يقال انه أثبتت نجاعتها ضد فيروس “إيبولا”.
وفي انتظار هذا الموعد الذي سوف يأتي قريبا ولا شك، ما رأيكم أيها القراء في أن اروي لكم ما جرى لأجدادنا في تونس من ويلات الأوبئة على لسان معلمنا حسن حسني عبد الوهاب من خلال “خلاصة تاريخ تونس” التي تولى تقديمها الأستاذ حمادي الساحلي.
ونبدأ بخلافة ابي عبد الله محمد (المستنصر بالله) الذي تولى الحكم سنة 1249 ميلادية وعمره 20 عاما وذاع صيته حتى أن أمير مكة بعث له بالبيعة فتلقب بأمير المؤمنين. ولكن من سوء حظه فقد شهد عهده زحف الصليبيين من صقلية وفرنسا على تونس سنة 1270 بقيادة الملك لويس التاسع إلا أن تفشى وباء الطاعون على بلادنا وانتشر في صفوف العدو فتسبب في القضاء على ملكهم واندحار الجيش الصليبي. وقد شيدت له فرنسا كنيسة قبل أن تتحول بعد الاستقلال إلى مركز ثقافي.
وفي سنة 1434 تولى زمام الحكم في تونس أبو عمرو عثمان، وهو من علوج النصارى أي أن أمه “مارية” هي جارية مسيحية. وقد قدم أخواله لتهنئته فأسكنهم في ربض قرب القصبة فأصبح معروفا باسمهم “باب العلوج”. وفي عهده شهدت البلاد سنة 1468 وباء جارفا قضى على خلق كثير ولكن السلطان نجا منه لا بل عاش طويلا إلى أن خلفه سنة 1488 حفيده أبو زكرياء.
ولئن نجا جده من الوباء وعمّر طويلا ، فانه لم يكن له نفس القدر من الحظ فقد ظهر بعد ست سنوات فقط من حكمه أي سنة 1494 طاعون فتاك مات به عدد كبير من الناس من بينهم السلطان نفسه فخلفه ابن أخيه ابو عبد الله محمد الثاني الذي تحالف مع الأخوين المعروفين في عالم القراصنة “خير الدين وعروج ” من اجل تقاسم غنيمة الغزوات البحرية إلى أن قويت شوكتهما فافتكا مدينة الجزائر من الأسبان.
واختم بما شهدته البلاد في النصف الثاني من القرن 19 من تدهور في المالية العمومية رغم رفع ضريبة المجبى مما اقتضى اللجوء إلى اقتراض 28 مليون فرنك بفائدة فادحة ثم الحصول على قرض آخر بـ35 م فرنك بعثرته الأيادي قبل وصوله للخزينة فتم مضاعفة المجبى من 36 إلى 72 ريالا سنة 1864 مما فجر ثورة علي بن غذاهم في قبائل البادية التونسية… ولم ترحمنا الأقدار حيث ظهر وباء الكوليرا سنة 1865 وتلته حمى التيفوس سنة 1867 ومجاعة عظمى أدت إلى خراب عدة جهات.
أرجو من كل قلبي أن تكون هذه الأحداث هي مجرد حكايات من التاريخ وأمل وأدعو وأتمنى أن لا يعيد التاريخ نفسه وأن يستر الله بلادنا وأهلها ويحميهم من كل سوء.