عالمية: بعد مفاوضات دامت أكثر من 15 عاما لحماية أعالي البحار، اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على نص بشأن أول معاهدة دولية من أجل هذه المياه
بعد مفاوضات دامت أكثر من 15 عاما لحماية أعالي البحار، اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على نص بشأن أول معاهدة دولية من أجل هذه المياه التي تشكّل كنزا هشا وحيويا يغطي حوالى نصف كوكب الأرض.
وأعلنت رئيسة المؤتمر رينا لي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك التوصل إلى اتفاق. وقالت وسط تصفيق المندوبين لفترة طويلة “السفينة وصلت إلى الشاطئ”.
ولم تنشر الصيغة الدقيقة للنص، لكن ناشطين عبّروا عن ارتياحهم، معتبرين أن التوصل إليه يشكّل خطوة على طريق حماية التنوّع البيولوجي بعد مناقشات دامت أكثر من 15 عاما.
وتعتبر معاهدة في هذا الشأن ضرورية للحفاظ على 30 بالمئة من اليابسة والمحيطات في العالم بحلول 2030، كما أكدت حكومات العالم في اتفاقية تاريخية تم توقيعها في مونتريال في ديسمبر الماضي.
وقالت لورا ميلر من منظمة “السلام الأخضر” (غرينبيس) “هذا يوم تاريخي يجب حفظه وإشارة إلى أنه في عالم منقسم يمكن أن تنتصر حماية الطبيعة والناس على الأوضاع الجيوسياسية”.
ووصف مفوّض الاتحاد الأوروبي لشؤون البيئة فيرجينيوس سينكيفيسيوس الأحد التوصل إلى نص المعاهدة بأنه “خطوة حاسمة إلى الأمام للحفاظ على الحياة البحرية والتنوع البيولوجي الضروريين لنا وللأجيال القادمة”.
ووصف المفوض الأوروبي المكلّف المحيطات وصيد السمك التوصل الى القرار بأنه “تتويج لأكثر من عقد من العمل التحضيري والمفاوضات الدولية التي لعب فيها الاتحاد الأوروبي دورا رئيسيا”.
بدورها، أشادت فرنسا الأحد بـ”الاتفاق التاريخي”، وقالت وزارة خارجيتها ووزارة الدولة لشؤون البحار في بيان مشترك إنه “يمهد الطريق لتطورات أساسية وغير مسبوقة”.
ومن بين هذه التطورات “إنشاء مناطق بحرية محمية في أعالي البحار” والالتزام بتقييم تأثير الأنشطة الجديدة فيها والتقاسم “العادل والمنصف” لفوائد الاكتشافات التي تتم في المحيطات، وكذلك “تعزيز قدرات الدول النامية” لضمان “الحوكمة الرشيدة للمناطق البحرية”.
وبعد أسبوعين من المحادثات المكثفة بما في ذلك جلسة ماراثونية استمرت ليل الجمعة السبت، وضع المندوبون اللمسات الأخيرة على نص لا يمكن تغييره الآن بشكل كبير ينص على حماية أعالي البحار.
وقالت رينا لي للمفاوضين “لن تكون هناك إعادة فتح للقضايا أو مناقشات جوهرية”. وأعلنت أنه سيتمّ تبني الاتفاقية رسميا في وقت لاحق بعد عرضها على محامين وترجمتها إلى اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة.
وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالمندوبين، مؤكدا، بحسب متحدث باسمه، أن الاتفاقية تشكّل “انتصارا للتعددية وللجهود العالمية لمواجهة الاتجاهات المدمّرة التي تواجه صحة المحيطات الآن وللأجيال قادمة”.
وتبدأ أعالي البحار من النقطة التي تنتهي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومترا) حدًّا أقصى عن الساحل. وهي لا تخضع لأي ولاية قضائية وطنية من الدول.
ومع أنها تمثّل أكثر من ستين بالمئة من محيطات العالم وحوالى نصف مساحة سطح الكوكب، لم تعط الاهتمام نفسه الذي يمنح للمياه الساحلية.
وتنتج النظم البيئية للمحيطات نصف الأكسجين الذي تتنفسه البشرية، وتحدّ من الاحترار المناخي عبر تخزين جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية.
وحوالى واحد بالمئة فقط من أعالي البحار محمي حاليا.
وعندما تدخل المعاهدة الجديدة حيز التنفيذ، ستسمح بإنشاء مناطق بحرية محمية في هذه المياه الدولية.
وقالت ليز كاران من مؤسسة “صندوق بيو للأعمال الخيرية” إنه “يمكن للمناطق البحرية المحمية في أعالي البحار أن تلعب دورا حاسما في بناء مرونة لمواجهة تأثير تغير المناخ”. ووصفت الاتفاقية بأنها “إنجاز بالغ الأهمية”.
وستلزم المعاهدة الدول بإجراء تقييم للأثر البيئي للأنشطة في أعالي البحار.
وشكّل أحد الفصول الحساسة جدا بشأن تقاسم الفوائد المحتملة للموارد البحرية المكتشفة حديثًا إحدى النقاط المحورية للخلافات قبل أن تُحسم أخيرًا، بينما تجاوزت المحادثات المهلة المحددة لانتهائها الجمعة وتم تمديدها يوما واحدا.
وكافحت البلدان النامية التي لا تملك الوسائل الكفيلة بتحمّل نفقات الأبحاث المكلفة، من أجل عدم استبعادها من المكاسب المتوقعة من تسويق المواد المحتملة المكتشفة في المياه الدولية.
وقد تتحقّق أرباح من الاستخدام الصيدلاني أو الكيميائي أو التجميلي للمواد البحرية المكتشفة حديثًا ولا يملكها أحد.
وكما هو الحال في المنتديات الدولية الأخرى ولا سيما مفاوضات المناخ، تحوّل النقاش إلى جدل حول مسألة ضمان المساواة بين جنوب العالم الأفقر والشمال الأكثر ثراءً، كما لاحظ مراقبون.
وفي خطوة اعتبرت محاولة لبناء الثقة بين الدول الغنية والفقيرة، تعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 40 مليون يورو (42 مليون دولار) في نيويورك لتسهيل التصديق على المعاهدة وتنفيذها في وقت مبكر.
وأعلن الاتحاد الأوروبي أيضًا خلال مؤتمر “محيطنا” في بنما الذي اختتم الجمعة، عن 860 مليون دولار للبحث والمراقبة والحفاظ على المحيطات في العام 2023.
وقالت بنما إن الدول تعهدت بتقديم ما مجموعه 19 مليار دولار.
في 2017، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو الدول إلى وضع معاهدة لأعالي البحار.
وقالت لورا ميلر من منظمة “السلام الأخضر” تعليقا على الإعلان عن الاتفاق، “يمكننا الآن أخيرًا الانتقال من الكلام إلى تغيير حقيقي في البحر”.