بقلم: علي الجليطي وعدتكم منذ أيام بان أحدثكم عن الإرهاب […]
بقلم: علي الجليطي
وعدتكم منذ أيام بان أحدثكم عن الإرهاب وها أنا أوفي بوعدي. عسى أن نفكر معا في فهم هذه الظاهرة، من المتسبب فيها أو المستفيد منها؟، كيف نشأت وأين ظهرت؟، هل هي استعمار جديد؟ ومتى ستستريح البشرية من هذا الوباء، وهل وجدت له لقاحا شافيا مانعا، حتى نستعمل اللغة السائدة هذا الأيام بسبب الملعون- التاجي رقم 19؟
ومنذ البداية أصارحكم القول بأنه إذا كان هناك أمل حقيقي في الوصول قريبا إلى وقف الحرب العالمية الثالثة القائمة حاليا ضد فيروس كورونا اللعين، فانه من المشكوك فيها إن لم يكن من المستبعد جدا وقف الحرب قريبا ضد الإرهاب، ليس في تونس بالذات، وإنما في بقية دول العالم، لأنه -على عكس الفيروس الطبيعي المَرَضي -هو فيروس بشري أي من صنع الإنسان منذ بدا الخليقة إلى يوم يُبعثون. وهو بالتالي سلاح فتاك في يد القوي، (فردا أو جماعة أو دولة) ضد الضعيف (فردا أو جماعة أو دولة). وطالما كان الإنسان موجودا طالما سنجد، هنا أو هناك، محاولات “ناجحة أو فاشلة” لعمل إرهابي.
انه من فصيلة الشر الذي غُرس في طبيعة الإنسان، منذ القتال الذي جرى بين قابيل وهابيل، وطوّرته البشرية عبر العصور، تارة ضد الخصم/العدو في الداخل في إطار التنافس على السلطة، وتارة في الخارج ضد الخصم/ العدو في إطار الهيمنة وبسط السلطة على الغير. والبعض لا يعتبر ذلك إرهابا وإنما صراعات على السلطة وحروبا مباشرة أو بالوكالة، ولكن في رأيي النتيجة واحدة، طالما هناك موتى بسبب “الإرهاب” الذي قلنا انه يعني في عمومه استخدام عنف غير قانوني ضد المدنيين وقتلهم المتعمد والغرض السياسي الذي يتضمنه التعريف الأممي للإرهاب هو تأكيد على بعده المرتبط بالسلطة.
هل رأيتم، منذ أن بدأ التاريخ، كم حصل من اغتيالات لحكّام على يد أفراد لا يرهبهم استعمال سمّ أو سكين أو مسدس أو قنبلة أو أي نوع من السلاح المهم القتل ولا شيء غيره، وآخرون من الحكّام الذين أمروا بقتل واغتيال من يعتبرونهم أعداء بكل الأساليب والوسائل المتاحة من الخنق” الرحيم” إلى استعمال “النابلم” وحتى النووي.
تريدون أمثلة؟ كل التاريخ تقريبا هو أمثلةُ صراعٍ من أجل السلطة. سلطة متوحشة وإجرامية مُورست بفظاعة في كافة أنحاء المعمورة. منها على سبيل الذكر ما جرى من القرن العاشر إلى القرن السابع قبل الميلاد، حينما كانت الإمبراطورية الآشورية تهيمن على بلاد ما بين النهرين وعلى الشرق القديم، حيث أدى ذلك إلى نشر الرعب وتفشي إرهاب السلطة بشكل لا يُصدّق. غير أن عاصمة هذه الإمبراطورية العظمى، التي هاجمت بابل ودمرتها سنة 689 ق.م، سيتم تدميرها بطريقة هي من أبشع ما عرفته الإنسانية.
وتُعدّ الحرب بين روما وقرطاج التي صنعت مجد حنبعل وسيبيون مثالا حيّا للعنف في أقصى حدوده وأسفرت عن مجازر وخراب فظيع. وفي الصين عمدت مملكة ” تسين ” السائدة في 335 قبل الميلاد إلى القضاء على جيرانها. وكلما احتلت مدينة بادرت بإبادة سكانها على بكرة أبيهم. أما في القرن الأول ق.م فأقل ما يقال في نيرون، آخر إمبراطور روماني وحارق روما، انه كان رجلا مجنونا متوحّشا قتل والدته بتحريض من عشيقته خوفا من وجود مؤامرة ضده.
وفي الخلافة الإسلامية، نكتفي بذكر اغتيال الخليفة الثالث عثمان بما يعدّ “الخطيئة الأولى” في عهدنا الإسلامي التي ستؤدي إلى صراع حاد بين الخليفة الرابع علي ومعاوية انتهى بقتل علي وانتصار غريمه، ثم اغتيال يزيد بن معاوية للحسين بن علي. وأسفر ذلك عن انشطار دائم للعالم الإسلامي بين شيعة وسنّة.
هذا في الناحية الشرقية إما غربا، فحدث ولا حرج عن طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش، والحروب الصليبية وحروب نابليون الأول والثالث، والحملات الاستعمارية، وويلات الرقّ، وإبادة السكان الأصليين لما وراء البحار وفي الأمريكتين وأستراليا، والحربين العالميتين والملايين من الوفيّات، والحروب الاستعمارية في الهند الصينية وأفريقيا، واحتلال فلسطين وغزو العراق وانتفاضات الخريف العربي…
هكذا هي الصراعات من أجل السلطة التي كانت وستظل مثيرة لأسوإ الغرائز القاتلة في الجنس البشري. والصراع من أجلها كان في غالبيته الساحقة عبر التاريخ القديم والحديث من قبيل الإرهاب… بسيط أو معقد، فردي أو جماعي، داخلي أو خارجي… لا يهم …كله عنف وقتل بدون رحمة ولا شفقة… حتى تلك الأساليب “التقليدية” في إعلان الحروب وانتظار العدو – جماعة- في ساحة الوغى… أو فرادى للدفاع عن الشرف عند بزوغ الشمس على طريقة النزال بين متنافسين، بالسيف أو بسلاح ناري… كانت أساليب سائدة ثم ولّت وانتهت وذهبتْ مع التاريخ… وللحديث بقية.