بقلم: علي الجليطي السلطة كانت وستظل مثيرة لأسوأ الغرائز القاتلة […]
بقلم: علي الجليطي
السلطة كانت وستظل مثيرة لأسوأ الغرائز القاتلة في الجنس البشري، والصراع من أجلها كان في غالبيته الساحقة عبر التاريخ القديم والحديث من قبيل الإرهاب… بسيط أو معقد، فردي أو جماعي، داخلي أو خارجي… لا يهم …كله عنف وقتل بدون رحمة ولا شفقة… حتى تلك الأساليب “التقليدية” في إعلان الحروب وانتظار العدو – جماعة-في ساحة الوغى… أو فرادى للدفاع عن الشرف عند بزوغ الشمس على طريقة النزال بين متنافسين، بالسيف أو بسلاح ناري… كانت أساليب سائدة ثم ولّت وانتهت وذهبتْ مع التاريخ…
اليوم القتل بات “أعمى” وسيكون في المستقبل “آليا”. وهو أقرب إلى الغدر منه إلى القتال، وأضحى الإرهاب سلاح تحركه أيادي خفية، قد تكون داخلية وأغلبها خارجية، ظهر في ثوبه الجديد المعروف في القرن العشرين على يد الجماعات السلفية المتطرفة في الشرق ثم استعملته الدول الاستعمارية لضرب الكفاح التحريري ضد الاستعمار.
الأمثلة لا تحصى ولا تعد منها، اليد الحمراء في تونس التي اغتالت الزعيم فرحات حشاد سنة 1952، والمنظمة العسكرية السرية المعروفة باسم “oas” والتي بعثت سنة 1961 بغرض الحفاظ على “فرنسا الجزائرية” بكل الوسائل.
ثم ظهرت منذ الستينات والسبعينات حركات يسارية متطرفة مثل “الألوية الحمراء” في ايطاليا و”بادر ماينهوف” في ألمانيا و”اكسيون ديراكت” (العمل المباشر) في فرنسا، و”الايتا” الباسكية في اسبانيا و”الايرا” الايرلندية وغيرها كثير… ثم الصق الغرب بالكفاح الفلسطيني صفة الإرهاب حينما ارتبط بجماعات راديكالية مثل “أيلول الأسود”. ثم ظهرت إلى السطح من جديد الأعمال الإرهابية المرتبطة بما يعرف “الإسلام السياسي” التي طغت على مناطق عديدة في العالم شرقا وغربا تحت أسماء متنوعة لا علاقة لها ” بالجهاد” الحقيقي في العُرف الإسلامي إلا من حيث الاسم.
وهنا مربط الفرس. “فالجهاد” الذي نعرفه في مطلع الإسلام في الفتوحات والغزوات ولى وانتهى. ولم يبق منه اليوم في قلوب المؤمنين – حقيقة – إلا جهاد النفس ضد مغريات الدنيا المدفوعة بغريزة الشر. ولكن ظهر “جهاد” آخر لا يقل أهمية سماه الزعيم الحبيب بورقيبة “الجهاد الأكبر” ضد الفقر والأمية والمرض من اجل رقي الشعب وازدهاره . لقد جاء هذا الجهاد بعد انتهاء “الجهاد” الأصغر ضد الاستعمار الخارجي وتحرير البلاد من ربقته. ولئن نجح “المجاهد الأكبر” في “حربه الجهادية” رغم كل التحفظات التي تبرز من حين لآخر من قبل البعض عن حق أو باطل، فقد ولد بعده نوع جديد من الاستعمار الخارجي والداخلي والذي يتطلب اليوم من المجموعة الوطنية العمل على “تحرير” الشعب من قيوده المكبلة.
هذا الاستعمار الجديد هو أولا ذاك المرتبط بالخارج أي بالقوى العظمى التي تريد الهيمنة الاقتصادية على العالم وامتصاص خيرات الشعوب كما فعلت في الماضي باستعمارها المباشر وتحريك خيوط دمى الإرهاب متى وحيثما شاءت لغرض في نفس يعقوب. وهذا يتطلب من نخبتنا حنكة وحكمة سياسية وقدرة وخبرة ودبلوماسية بعيدا عن العنتريات التي تغطي فشلنا ولا تعود علينا إلا بالوبال.
وهو ثانيا ذاك الاستعمار الداخلي المرتبط ببعض القوى السياسية واللوبيات الاقتصادية وتوابعهما من الدمى المتحركة التي ما فتئت تسعى بالترغيب حينا والترهيب حينا آخر للقبض على كل مفاصل الدولة من أجل خدمة مصالحها الشخصية عاجلا وآجلا، متناسية ما خسرته البلاد من مكاسب “جهاد” الزعيم وما ازداد فيها من جهل وفقر ومرض ومن تراجع دراماتيكي لاحترام الدولة والقانون والمؤسسات.
هذا الاستعمار الداخلي والخارجي هو الذي يجب أن يكون – اليوم وليس غدا- محور المعركة التحريرية التي من المفروض أن يرفع من أجلها نداء “الجهاد” الجديد وراية “الكفاح” الوطني ممّن تبقى من رموز الوطن من أجل تحريره… إن بقيت له رموز. مع الاعتذار لقوات أمننا وجيشنا التي بقيت، على ما يبدو الحصن الأخير، الذي يحمينا في هذه المعركة التحريرية الفاصلة بصدوره العارية وبأرواحه الطاهرة.