بقلم: علي الجليطي
من جملة ما شرعتُ في قراءته هذه الأيام كتاب طويل لعادل اللطيفي عنوانه “الدولة والثورة والحداثة”… وأستحضر هنا لكم منه بتصرف معلومة طريفة حول بداية “استقلال” تونس من الإمبراطورية العثمانية. وتحوم المعلومة في جانب أول منها حول مراسلة توجه بها أعيان محليون من الوسط والجنوب التونسي سنة 1571 للتأكيد على انتماء أهالي هذه الجهات من قديم الزمان لتونس، ويأتي هذا الطلب بعد التأرجح المفروض عليهم على امتداد فترة طويلة بين التبعية لأتراك الجزائر والتبعية لأتراك طرابلس الغرب فيما كانت السلطة بالحاضرة تسعى بين كر وفر لبسط سلطتها على كامل التراب التونسي.
أما الجانب الثاني من المعلومة الواردة في كتاب عادل اللطيفي فيدور حول شخصية غير معروفة في نظري لدى عامة الناس وهي شخصية “أبو الطيب تاج الخضار” الذي سبق أن تعرضت له فاطمة بن سليمان في كتابها بعنوان “الأرض والهوية”. هذا الرجل لم يكن له وزن في تونس، لا قبليا ولا دينيا ولا ماليا، ولكن كانت له حظوة كبيرة لدى الباب العالي. وربما بسبب ذلك يرجع له الفضل مع جملة من أعيان تونس في طلب الموافقة على أن تصبح البلاد “مستقلة” عن الايالة الجزائرية. وبذلك أصبحت منذ سنة 1574 ايالة عثمانية “مستقلة”. وقد يكون بذلك ساهم “أبو الطيب” مع أعيان الحاضرة والوسط والجنوب في نشأة البلاد التونسية تقريبا على رقعتها الترابية الحالية.
غير أن إصرار صاحبنا “الخضار” على أن تكون تبعية الايالة كاملة للإمبراطورية العثمانية من ناحية، وحرص العسكر المحلي في تونس بالعكس على التوجه نحو استقلالية البلاد وابتعادها عن التبعية المباشرة من ناحية أخرى، قد عجّل بقتل هذا الرجل من قبل جند الديوان سنة 1577. وبذلك دخلت البلاد في مسيرة طويلة نحو”الاستقلال” وفك الارتباط مع المركز الإمبراطوري، قبل سقوطها في الفخ الفرنسي ووقوعها في شباك الاستعمار دون أن تجد من ينقذها منه في زمن ذاك “الرجل المريض”.