تونس الان عندما طفق النائب مبروك كورشيد يصرخ من اعلى […]
تونس الان
عندما طفق النائب مبروك كورشيد يصرخ من اعلى المنابر الإعلامية محتجا على محاولة عرض اتفاقيتين مع قطر وتركيا على البرلمان خلال فترة الحجر الصحي متهما فحوى الاتفاقيتين باستباحة السيادة والأراضي التونسيتين صدقه الناس واعتقدوا ان الامر جد خطير حقا…غير ان فحوى الاتفاقيتين لا يجب أن يكون بأي حال الشجرة التي تحجب الغابة وفيما يلي ما خفي.
فقبل الخوض في فحوى الاتفاقيتين يكفي الاطلاع على تاريخهما لنكتشف المفاجأة العظمى. فالاتفاقيتان عرضتا على البرلمان في تواريخ مختلفة : فمشروع القانون الأساسي عدد 68/2018 يتعلق بالموافقة على اتفاق التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة جمهورية تركيا تم امضاؤه في 27 ديسمبر 2017 وعرض على البرلمان في 26 سبتمبر 2018 …اما مشروع القانون الأساسي عدد 2020/005 المتعلق بالموافقة على اتفاقية مقر بين حكومة الجمهورية التونسية وصندوق قطر للتنمية حول فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس تم امضاؤه في 12 جوان سنة 2019 وورد على البرلمان في 28 جانفي 2020 بما يستخلص ان القانونين تم امضاؤهما زمن حكومة يوسف الشاهد وتمت المصادقة عليهما بمجلس وزراء يرأسه يوسف الشاهد وفي عضويته مبروك كورشيد وزير أملاك الدولة آنذاك.
قبل زيارة الشاهد لقطر
ولمزيد التوضيح فان امضاء الاتفاق مع الصندوق القطري للتنمية تم أسبوعين قبل زيارة كانت معلنة ليوسف الشاهد الرسمية لقطر والتي برمجت يومي 29 و 30 جوان 2019 بدعوة من نظيره القطري والغيت اخر لحظة بعد الوعكة الصحية الخطيرة لرئيس الدولة …زيارة غريبة لأنها تأتي بعد مضي ثلاثة اشهر فقط عن اجتماع اللجنة العليا التونسية القطرية بتونس والتي حضرها رئيس الوزراء القطري وتم خلالها الامضاء على 10 اتفاقيات ..لذلك لم تكن زيارة الشاهد لقطر مجرد زيارة تقنية كما الزيارات المعهودة بل كانت زيارة سياسية كان ينوي خلالها حمل “هدية” لدولة قطر وهي الاتفاقية الممضاة بتاريخ 12 جوان حول صندوق التنمية علّه يحظى بدعم الدولة التي لها حظوة لدى حزب النهضة وهو الذي كان يستعد لإعلان ترشحه لرئاسة الدولة…ثم الادهى والامر ان الاتفاقية تمت احالتها للبرلمان خلال فترة تصريف اعمال حكومة يوسف الشاهد أي بتاريخ 28 جانفي 2020.
زيارة ليلية ثم..
اما اتفاقية تركيا فقد تم امضاؤها خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى تونس يوم 27 ديسمبر 2017 وتم الامضاء تحت اشراف رئاستي الدولة والحكومة غير ان احالتها للبرلمان جاءت في توقيت مثير للريبة ..فبعد مشاركة يوسف الشاهد في القمة الصينية الافريقية ببيكين وفي طريق العودة توقفت طائرته في ساعة متأخرة من الليلة الفاصلة بين 5 و6 سبتمبر 2018 بأنقرة وتردد حينها انها توقفت للتزود بالوقود في حين ان الطائرة الرئاسية قادرة على التحليق لمدة 17 ساعة دون توقف والمسافة بين بيكين وتونس لا تتجاوز الـ13 ساعة وبالتالي فالمنطق يقول ان الطائرة لم تكن في حاجة للتزود بالوقود لا أن الإعلان الاتراك عن الزيارة دفع بإعلان هذا التبرير ..ورغم ان الساعة كانت متأخرة فقد كان وزير المالية التركي الذي لا يعدو أن يكون الا صهر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في انتظاره حيث التقاه على انفراد لمدة 45 دقيقة كما أوضحت آنذاك مجلة ليدرز ..وبقدرة قادر يتم ايفاد مشروع الاتفاقية للبرلمان بعد أسبوعين فقط معنى ذلك انه تم نفض الغبار عليه بسرعة علما ان زيارة اردوغان لتونس توجت بإمضاء اتفاقيات عسكرية وبيئية بالإضافة للاتفاقية موضوع الجدل والمتعلقة بالاستثمار…غير ان هذه الأخيرة ظلت بالرفوف الى حين الزيارة غير المعلنة – كما سماها الاعلام آنذاك – لتركيا والتي توافقت مع ذروة فترة الخلاف الحاد بين يوسف الشاهد والرئيس الراحل وابنه الذي جعل الحزب ينقلب عليه والتي توجت بتجميد عضويته يوم 15 سبتمبر 2018 كما جاءت الزيارة في فترة دخول الشاهد في مفاوضات مع اطراف سياسية أخرى توجت بتشكيل حكومة جديدة يوم 8 نوفمير 2018 قبل إعلانه فيما بعد عن تأسيس حزب تحيا تونس .
لا استبلاه للشعب
خلاصة القول ان الاتفاقيتين كانتا من “صنع” او من “تحريك” يوسف الشاهد غير انه لما عاين أن النهضة بدهائها المعهود ستجني ثمارهما اليوم هاج وماج واحدث ما يمكن احداثه أو ربما لأنه شعر ان السحر قد ينقلب على الساحر في جلسة عامة فأقام الدنيا ولم يقعدها…أما فحوى الاتفاقيتين فيتحمّل مسؤوليتهما السياسية يوسف الشاهد وحكومته التي كان كورشيد عضوا بها ..فان تتم المطالبة بالمحاسبة فانه وحده الشاهد وكورشيد ومن معهم في الحكومة آنذاك تستوجب محاسبتهم.
ختاما نخلص الى ان هؤلاء بما احدثوه من هرج يحاولون استبلاه الشعب التونسي واقحامه في معارك غير معاركه الحقيقية فالشعب لم يخط الاتفاقيتين ولم يمض عليهما ولم يلتق في الهزيع الأخير من الليل بصهر اردوغان ولم يختلق زيارة لقطر وهو اليوم غير مستعد لتصديق هؤلاء ولا دخول المعارك بدلهم فمثل هذه الاتفاقيات عنوان نقاشها مكان واحد هو البرلمان فهو سيد نفسه وممثل الشعب التونسي اما النفاق فيبدو ان عنوانه الوحيد اليوم هو من استبله شعبه وعنوانه من يروّج للكذب والبهتان.
حافظ