ألقى عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، اليوم […]
ألقى عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، اليوم 26 سبتمبر 2022، كلمة تونس إلى الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في جزئها رفيع المستوى والمنعقدة بنيويورك من 20 إلى26 سبتمبر2022 تحت شعار “لحظة فارقة: حلول تحويلية للتحديات المتشابكة” وذلك بتكليف من رئيس الجمهورية، قيـــس سعيّــــــــد.
وأبرز الوزير أن العالم يقف اليوم بالفعل أمام لحظة فاصلة في التاريخ والمصير المشترك تستدعي منّا حلولا جذرية وتحويلية، تمكّن شعوبنا من تجاوز التحديات القائمة وتعزّز قدرتها على الصمود وبناء الاستدامة.
وأشار في هذا السياق إلى تداعيات كوفيد-19 وما خلّفته من آثار مدمّرة والأزمة الروسية الأوكرانية التي أعادت العالم إلى مربّع عدم اليقين. حيث يواجه العالم أزمة غذائية وطاقية حادة نتيجةَ تعطّل سلاسل الإنتاج ومسارات الإمدادات ونقصٍ في المواد الأساسية وغلاءٍ غيرَ مسبوق في أسعار المواد الغذائية وتدهور للقدرة الشرائية وارتفاع في نسب التضخم والديون وخدمة الدين.
وأكد الوزير بأن المعالجات الظرفية للقضايا لا تحلها جذريا وإنما هي مجرد مسكّنات برهنت على مدى عشرات السنين عدمَ القدرة على تقديم الحلول الجذرية والناجعة لمختلف الأزمات، والحاجة إلى سياسات جديدة قائمة على التضامن والعدالة.
ودعا عثمان الجرندي في هذا الإطار إلى ضرورة مراجعة هذه المقاربات لإنقاذ أهداف أجندة 2030 للتنمية المستدامة. مؤكدا على ما يلي:
– عدم إمكانية صياغة هذه الحلول خارج إطار العمل متعدد الأطراف والتضامن الإنساني، وبالتعاون والتنسيق مع منظّمة الأمم المتّحدة مع الحفاظ على بقية الأطر والآليات باعتبارها رافدا لهذا التعاون تُعاضده وتتكامل معه ولا تُنافسه وتُضعِف من قدرته على تقديم الحلول.
وهو ما تم التأكيد عليه في تونس بمناسبة احتضانها يومي 27 و28 أوت 2022 للدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا “تيكاد 8.
– ضرورة تبني نهج اقتصادي تتفوّق فيه جودة النموّ الاقتصادي على سرعته، خاصّة من خلال التركيز أكثر على الاستثمار في المعرفة والعلم والابتكار والتكنولوجيات الحديثة. وأشار الوزير في هذا الإطار إلى قمة الفرنكوفونية التي ستحتضنها جزيرة جربة يومي 19و 20 نوفمبر 2022، حول “التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن” حتى تُعزِّز توصياتُها السبلَ الكفيلة بتحقيق أهدافنا المشتركة في المجال الرقمي والتكنولوجي والتنموي.
– ضرورة إحداثُ نقلة نوعية في كيفية إدارة مسألة الديون وفق مقاربات تنموية جديدة وفي كيفية الدعم المالي الذي يوفّره النظام المالي العالمي بعيدا عن الشروط المجحفة أو الإملاءات التي لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الدول وأوضاعها، خاصّة في البلدان النامية والأقلّ نموّا ولا سيما في المنطقة الإفريقية، حيث لم تجد لدى النظام المالي العالمي الدعم المرجو لمعاضدة جهودها في مواجهة التحديات القائمة وسعيها للتعافي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
– التأكيد على دعوة تونس لإعادة رسكلة هذه الديون وتحويلها إلى مشاريع استثمارية لإعادة خلق الثروة. وأهمية تمكين الشعوب من استرجاع أموالها المنهوبة التي هُرّبت إلى الخارج.
-ضرورة تجديد المجموعة الدولية لالتزامها نحو القارة الإفريقية على أساس التضامن والمساواة والشراكة المتكافئة والاستماع إلى مشاغلها التنموية والأمنية.
– توطيد مقوّمات الأمن والسلم الدوليين، القائمين على سيادة القانون الدولي والشرعية الدولية. وفي هذا السياق، أشار الوزير أنه لا بدّ من العمل على تسوية الصراعات سلميا دون انتقائية ووضع حدّ للنزاعات العبثية والامتناع عن افتعال الأزمات واختلاقها وإيجاد حلول للقضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية من خلال إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
– أهمية إدراك أن لكلّ دولة بدون استثناء، تحدياتُها ومشاكلُها وخصوصياتُها. ولا يوجد منوال أو نموذج واحد ملائم للجميع . ومع الاتفاق حول المبادئ والقيم والقواسم المشتركة التي تجمعنا والتي نحن ملزمون جميعا باحترامها، تبقى تفاصيل الخيارات والتوجهات من الاختصاصات السيادية للدول. فلا توجد ديمقراطية بل توجد ديمقراطيات.
وشدّد السيّد عثمان الجرندي أنّ الديمقراطية في تونس خيار وطني لا محيد عنه، نعمل على تعزيزه وصونه من خلال مسار تصحيحي ستستكمل محطاته بتنظيم الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر 2022 . وأكد أنّ الخيار الديمقراطي في تونس نابع من إرادة الشعب التونسي وهو عازم على إنجاح تجربته الديمقراطية واستكمال مساره السياسي في كنف دولة تحفظ حقوقه الدستورية وحرياته وأمنَه وكرامتَه، العلويةُ فيها للقانون والسيادةُ للشعب.
كما أشار إلى تونس برهنت في مختلف المحافل الإقليمية والدولية على تمسّكِها بحقوق الإنسان والحريات ومزيدِ دعمها وتطويرها، وساهمت في إثراء المنظومة الأممية في هذا المجال بعدّة مبادرات وإسهامات يُشهدُ لها بالمصداقية والانحياز الدائم والثابت للمبادئ الكونية المشتركة.
وأكد في الختام على أنّ الرهانات الماثلة اليوم لا يمكن كسبها إلاّ بإرادةٍ مشتركة حقيقيّة، وضرورة تجاوزُ مرحلةَ التشخيص إلى مرحلة الفعل والاستجابة والتحرك من خلال التوظيف الأمثل لإمكانياتِنا وقدراتنا وتفعيل العمل متعدّد الأطراف
ودعا الوزير المجموعة الدولية إلى تكون في مستوى هذه اللحظة الفارقة لإعادة بناء الثقة في المؤسسات الوطنية والدولية والتقدّم نحو أهدافنا المشتركة لبناء عالم أفضل لنا وللأجيال القادمة يليقُ بإنسانية الإنسان حيثما كان ويحفظ أمنه وكرامته ويحقّق رفاهه واستدامته.