تونس الآن لم يكن الأمر مألوفا مثلما لم نكن معتادين […]
تونس الآن
لم يكن الأمر مألوفا مثلما لم نكن معتادين على مشاهدة محاكمات على الهواء ليس في بث مباشر من إحدى قاعات المحكمة بل على شاشة التلفزيون وتحديدا على قناة “قرطاج بلوس”…جاء على ما يبدو زمن الانتصاب الفوضوي للمحاكمات والمصارحات والمطارحات والمؤاخذات والاتهامات بعد أن كنا نعتقد أن مقولة “تحت أنظار القضاء” كفيلة بإبعاد كل من يرمي الغوص في أعماق أية قضية ..علنا.
الليلة الماضية شهدت محاكمة نصبتها القناة التلفزية لرجل الأعمال التونسي مروان المبروك، طبعا حيث ينتفي عنصر الصدفة آليا وحيث يتعين الرجوع إلى طرف الخيط ومحاولة الإمساك بأول العناصر “المثيرة” للقضية ولغريزة التشهير ومن ثم الإيعاز، سياسيا، بإرساء محاكمات “معينة” خارج أسوار قاعات المحاكم حتى وإن كان الملجأ استوديو تلفزي.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة ونحن في مجال الإعلام وقد علمتنا السنوات بمحنها ومطباتها ومصائبها كيفية صنع الحدث وفي أحايين كثيرة
من فتات خبر أو استقواء على تصريح يتم الزج به في غير إطاره، وإن لزم الأمر من لا شيء كما فعل البعض.
إن فتح ملف قضائي في نقاش تلفزي لا بد أن تكون له أهداف ويكون نظريا وفق مبدإ حسن النية لإنارة الرأي العام الذي ارتفع منسوب الفضول لديه خلال السنوات الماضية.. وهنا لا بد من مقايس علمية وأخلاقية وضوابط قانونية تكون كفيلة بتحديد مقدار ما يحق أن يناقش إعلاميا في أية قضية ليتم ترك ما تبقى للمحكمة بكل مكوناتها..
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا “يفتح” ملف هذا الشخص دون بقية الملفات، بهذه الطريقة، والحال أن الأمثلة عديدة حتى بين رجال الأعمال حيث قضى أحدهم بضعة سنوات في السجن زمن الترويكا إلى حين الإفراج عنه، طبعا المقصود بفتح الملفات هو تسليط الضوء على قضية في البرامج التلفزية وليس إخضاعها لجهاز سكانير علني ، بل كنت أتمنى – على هامش هذه المحاكمة التلفزية –أن يهتم صانعو الأخبار ، مثلا، بالبحث في سبب عدم العفو عن مغني راب صدر في حقه حكم بالسجن زمن بن علي رغم العفو التشريعي العام في 19 فيفري 2011 وما أصدره رؤساء الجمهورية المتعاقبون من قرارات للعفو في حق مساجين في عديد المناسبات.
إذن، ارتأت قناة “قرطاج بلوس” أن يكون تنظيم المحاكمة في غياب “المتهم الرئيسي” بتغيبه وتعمد الاقتصار على ممثل لمنظمة “أنا يقظ” حاملا “تقرير الإدانات” ووثائق إضافة إلى وجوه أخرى سياسية وإعلامية وجمعياتية بما يليق بديكور محكمة علنية.
وحتى إن نجح المبروك في نهاية المطاف في الاتصال بالبرنامج للتعليق على ما قيل والدفاع عن نفسه فإن البرنامج بقدر ما جلب الاهتمام والاستفاضة في وقت البث بقدر ما كان مؤشرا على أنه قد يأتي يوم يتواصل فيه انتهاك الحقوق ونخشى محاكمة مواطن في مقهى أو حانة أو على قارعة الطريق فيما السلطات القضائية لا تبدي حراكا أو ردة فعل وتصمت “الهايكا” عن هذه المحاكمات التلفزية.
دعوا القضاة يعملون إن كنتم حقا تثقون في نزاهتهم وفي استقلالية القضاء نفسه ..تعلموا كيف تتناول وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والصحف في فرنسا القضايا حتى وإن كانت قضايا رأي عام ..وإذا كانت الغاية من هذا البرنامج وأمثاله شيطنة رجال الأعمال عموما و”محاربة” رأس المال الوطني يحق القول “على الدنيا السلام” مادامت تلفزاتنا أضحت محاكم بلا رقيب أو حسيب بما يعيدنا طبعا إلى قصة أول الخيط في مثل هذه القضايا المثارة تلفزيا!
مراقب