تونس الآن
الحمد للّه
شكرا زائر الصدفة كورونا، أنا الممتنّين لمن فكّروا – بمقدمك غير المرغوب فيه طبعا – في ترتيب شؤون بيت المواطنة في بلادنا، ورفع نسق المدنية خوفا من سطوتك.
بدأنا نسمع ونرى مدينة جديدة، غريبة عنّا، تؤثث الشوارع والمحطات والفضاءات التجارية الكبرى، والقائمات ستطول حتما، بأحواض مهيّأة لغسل اليدين، متاحة لكلّ الناس، في أيّ وقت وبالمجّان!
شكرا ضيفنا الثقيل غير المرغوب فيه…
في قرارة أنفسنا، نمقتك ولا نتمنى لك سوى الموت، ولكنّك دفعت القائمين على أحوالنا إلى احترامنا أخيرا… في بلد لا تتاح فيه المراحيض لعابري السبيل، ولا يوهب فيه الماء لأحد إلاّ بثمن، ولا سيادة فيه للنظافة والسلامة الصحية، ومن لا يحمل معه زاده وزوّاده وماءه لا أمل له في تعقيم أو تطهير أو تنظيف هكذا بلا سبب أو بلا ثمن أو بلا دافع استثنائي كحلولك بيننا أيها الفيروس.
الحمد للّه
سيعبث الصبية ما طاب لهم حول تلك الأحواض المنثورة كالزهور في الطريق العام ولن ينهرهم أحد… وقد يسرق بعضهم حوضا ليبيعه في نهج مظلم ويشرب بثمنه سائلا غير الماء ولا يهمّه التطهّر في شيء، ولن يجبره أحد على فهم مغزى ديمقراطية الاغتسال في الطريق العام، كلّ ذلك ممكن ومنتظر، لكن البلدية ومن ورائها روح المواطنة المتوجسة ستؤمّن للمارّة سبل التوقّي من خطر وجودك المذلّ لنا…
مسألة أخيرة قبل أن أرسل لك خطابي هذا:
هل ستبقى الأحواض والمعقّمات والنظافة بعد رحيلك عنّا؟ هل سنحتفل بنهاية سطوتك على الشارع ونرث تلك التعبيرة المدنية أم سنعود إلى مدينة بلا مدنية؟