بقلم: عبد الرؤوف بوفتح سيدي الرئيس يزداد اطمئناني كل مرة […]
بقلم: عبد الرؤوف بوفتح
سيدي الرئيس
يزداد اطمئناني كل مرة اتابع فيها خطابك لهذا الشعب البائس الطيب.. واردّد في قرارة نفسي البائسة أيضا:
– الحمد لله .. لأني لم أنتخبْكَ..
وأزداد حزنا وانقباضا كذلك..حين اضطر لسماعك وانت تصرخ مثل عصفور مقرور في لغة عتيقة كاسوار مدننا ، في وجه بقايا شعب من غبار على حد مقولة الزعيم ” بورقيبة” لكي لا تقول له شيئا
سوى عن خراب مالطا..
ان اسباب طمأنينتي كثيرة ..
– فانا لم انتخبك ، لأني ادركت دون اجهاد يذكر ، انك لا تصلح للحكم ، وان الذين بايعوك للوصول الى سدة الرئاسة هم من الذين غُرّر بهم ، ومن الذين طمعوا في قشة للنجاة من طين النهر المتلاطم من حولهم منذ نكبة عربة الخضر والغلال ، ومن الذين حاصرهم اليأس ، وطغت على عقولهم اكوام من الاحلام الفاسدة..
ثم إني أدركت ان السياسة في بلادنا مثل شجرة استوائية لن تنبت و تزهر وتثمر في تربة ليست لها..وان السياسة
ايضا ليست طيبة وخلُوّ من سوابق الدهاء المكر والخديعة وكل اشكال العقوق..والفسوق..وهي كلها ليست من نصيبك حقيقة..وهي كلها ادوات ضرورية لا بد منها لتولي كرسي ومقاليد الحكم خاصة في زمننا هذا..الذي يعطيك الجمرة قبل التّمْرة ، ويناولك المقصّ..والقفص دون وردة او عصفور.
لذلك لم اندم لحظة لعزوفي عن انتخابك..ولم اتحسر اطلاقا على قراري العظيم ابدا.. بل زاد اطمئناني يوما بعد يوم.. لأني اديت واجبي الانتخابي بصدق وموضوعية..وصلاح كذاك..
اما احزاني عليك – يا سيدي الرئيس..فهي كثيرة وعميقة..وهي بحجم لوعاتنا.. وخيباتنا.. وهزائمنا.. ومرارة تاريخنا كله..من وقت وصول ” عقبة بن نافع”..وحتى الغدر ب ” شكري بلعيد”.
انا حزين جدا عليك، لان المحيطين بك يستدرجونك الى أسفل الجبل.. الى حفرة ليس لها قرار..وحبالك قصيرة يا سيدي..ورماحك ليس امامها سوى الرمل.
اصارحك..انك في واد غير ذي زرع..وانت تصرخ للصدى ، وان الشعب بدا يَمَلُّك..وانك لا تملك السّقاية مثل موسى..
ثم ان الشعب ليست مشكلته: ان تتحدث اليه بالعربية..فهل كانت امك حين تعطيك خبزك وما يشبعك..تخاطبك بلغة الخنساء.. وهل كان ابوك حين حين ينفخ فيك رياح الامل والفرح، والانصراف للتعلمّ والعمل والمثابرة.. كان يجاهدك بكلام الجاحظ وابي حيان التوحيدي..
لماذا لا تخاطب شعبك بلهجته ولسانه واوجاعه وهواجسه..وغربته في وطنه وما يشتهي عقله وبطنه..وببساطة الماء وبلغة اقل..
ان الجائع لا تهمه العبارة.. وحتى الاشارة..بقدر ما يعنيه الرغيف والدواء والطمانينة في المأكل والمهج والدفء في قلبه واعصابه..له ولعائلته..
انا حزين لأجلك.. لأنك حاصرت نفسك..بل احكمت حصارها..ثم حاصروك كما حاصروك على ايقاع محمود درويش..
ان الذل والخصاصة والقهر وكل مناجل الفقر القاتلة،، تسوروا منازلنا ونفوسنا.. وعاثوا في كرامتنا بالطول والعرض جهارا نهارا..ونحن ما زلنا نتكلم اليه بالعربية وفي أدب ” الف ليلة وليلة ” وابن المقفع..يااا سيدي الرئيس..يا طويل العمر..!