بقلم حافظ الغريبي تونس الآن أصدر كما هو معلوم مساء […]
بقلم حافظ الغريبي
تونس الآن
أصدر كما هو معلوم مساء امس 6 سبتمبر2021 سفراء مجموعة الدول السبع بتونس بيانا مشتركا تضمّن عدة نقاط كان أولها التأكيد مجددا على التزام دولهم المستمر بالشراكة مع تونس في هذه الفترة التي يعتبرونها فترة “تطوير الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية قصد الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب التونسي حول تحقيق مستوى معيشي أفضل” وهو ما يُعتبر نقطة إيجابية اذ انهم يعلنون بذلك مساندة لتونس لكنها مساندة مشروطة بعد ان بنوا التزامهم على قراءة واقعية وليست قانونية لما يحدث وهو ما منح قيس سعيد صك براءة من تهمة الانقلاب.
أولا: في صك البراءة لقيس سعيد
اعتبرت الدول السبع الكبار ان ما يحدث هو استجابة لرغبة شعبية في:
. تطوير الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة
. إرساء حوكمة تتّسمُ بالنزاهة والفعالية والشفافية.
صك براءة لكنه ليس صكا على بياض بل مشروط بتصور لما يفترض ان يكون عليه ما سموه بـ”المسار” كي تتواصل الشراكة.
ثانيا: في تصورهم للمسار القادم
تعتبر مجموعة السبع ان من الضروري انهاء هذه الفترة الانتقالية بأسرع وقت ممكن وفق ضوابط حددتها تقوم على ما يلي:
- سرعة العودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمانٌ منتخبٌ بدور بارز: وهنا يتضح ان المجموعة لم تتحدث عن الدستور القائم او عن البرلمان الحالي بل فقط العودة لنظام يقوم على دستور وتمثيلية شعبية تجتمع في هيئة منتخبة أسمتها برلمانا بما يفسح المجال لإدخال التعديلات الممكنة على الدستور
- الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد: حتّى يتسنّى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي وكلمة ماسة تعني وجوب التسريع بتشكيل حكومة
- حوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية: ولابد للحوار ان يعقب تشكيل حكومة وفق السبع الكبار بما من “شأنه أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المُقترَحة” وكلمة مقترحة تعني فسح المجال لكل الأطراف بما فيها رئيس الدولة لتقديم المقترحات ومراجعة الدستور والقانون الانتخابي
ثالثا: في تعهدات المشرفين على المسار الانتقالي:
وجهت مجموعة السبع دعوة للمشرفين على المسار الآنف الذكر وهم بالأساس رئيس الدولة ومن سيتولى رئاسة الحكومة خلال تبلور هذا المسار تقوم على:
- الالتزام العام باحترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع التونسيين: والتأكيد على الحقوق المدنية معناه عدم المساس من حرية التعبير والتنقل ومنع السفر دون موجب قانوني وتجنب الاحكام الاستثنائية من إقامة جبرية وغيرها مما يرجع بالنظر لقانون الطوارئ … اما الحقوق السياسية فهي فسح المجال امام الجميع لممارسة حقوقهم السياسية من خلال التنظم في أحزاب والترشح والانتخاب … اما الحقوق الاجتماعية فتقوم على تمكين كل التونسيين من مقومات العيش الكريم وهي أساسا التغطية الاجتماعية والخدمات الصحية …وبالنسبة للحقوق الاقتصادية فهي تقوم على حق الملكية والشغل وعدم مصادرة أملاك الغير الا في اطار القانون
- احترام سيادة القانون: والحديث عن سيادة القانونهو تجنب الاحكام العرفيةوالاحتكام للقانون ومن يمثله من هياكل قضائية دون افلات من العقاب او تعسف
ثالثا: في تحميل المسؤولية للرئيس:
لم يتطرق البيان الى ذكر اسم الرئيس الا مرة واحدة وهي المرة التي حمّلت فيها مجموعة السبع المسؤولية له بشكل واضح اذ اعتبرت مجموعة السبع انه “كلّما أسرع الرئيس قيس سعيد في تحديد توجّه واضح بشأن سُبل المضي قدمًا بشكل يستجيب لاحتياجات الشعب التونسي، كلما تمكنت تونس من التركيز بشكل أسرع على معالجة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تواجه البلاد”.اي بعبارة أخرى بعد ان قدمت مجموعة السبع تصورها للمسار تركت للرئيس حرية تحديد ما اسمته بـ”التوجه الواضح” أي بعبارة أخرى خارطة الطريق وهي التسمية التي لا يستسيغها الرئيس قيس سعيد …وقد ربطت مجموعة السبع بين قيس سعيد وتونس اذ اعتبرت ان كلما سارع الرئيس بتحديد هذا التوجه أي اختيار الطريق الذي سينتهجه كلما تمكنت تونس من التركيز على التحديات التي قد تتحول الى مخاطر ان تم غضّ الطرف عنها.. فهو تحميل واضح للمسؤولية كاملة لقيس سعيد الذي وان منحته صك البراءة من تهمة الانقلاب فانه لن تمنحه البراءة ان انحرف الوضع في البلاد جراء حالة اللا قرار.
رابعا : في الشرط المخفيّ:
هذا الشرط حملته الجملة الأخيرة من البيان اذ اشترطت مجموعة السبع انها “ستظلُّ ملتزمة بإبقاء القيم الديمقراطية المشتركة ذات أهميّة محوريّة في علاقاتنا المستمرّة”… والمقصود من ذلك هو:
- عدم استمرارية الوضع الحالي لان الاستمرارية تعني تغيير طبيعة العلاقة بين تونس والسبع الكبار
- ما يفهم من كلمة القيم الديموقراطية المشتركة هو الإبقاء على نمط الديموقراطية التقليدية المعهودة سواء تعلق الامر بنظام برلماني او رئاسي او معدّل .. أي بعبارة أخرى ان الأفكار المطروحة على غير طريقة الديمقراطية المعلومة غير مقبولة أي لا تفكير في شكل غير الشكل التقليدي والمعروف لتسيير البلاد (والجميع يعلم أفكار الرئيس التي تقرب لأفكار الكتاب الأخضر)
خامسا: خلاصة القول:
خلاصة القول ان مجموعة السبع ومن خلال هذا البيان وكأنها اطلقت صافرة انهاء الفسحة وضرورة العودة الى الضوابط والثوابت .. وهي وان تتفهم قرار سعيد تجميد البرلمان فهي ليست حريصة على عودته بقدر حرصها على وجوب الإبقاء على الديموقراطية .. وبعبارة أخرى فان قيس سعيد خرج من فترة الامهال الى فترة الإنذار .. وعليه ان يبادر بالتحرك في الاتجاه الصحيح بوصلته تطلعات الشعب ومراعاة مصالح الوطن ولا شيء غير الوطن.. فصك البراءة الذي منحته مجموعة السبع الى قيس سعيد كان مرفقا بكمبيالة مؤجلة الدفع عليه تسديد معلومها ربما من رصيده الشعبي القائم على وعود بعضها قد لا يجد طريقه للتجسيم لكن في السياسة تظل دوما العبرة بالخواتيم ونحن في انتظار كيف ستكون الخاتمة واملنا ان تكون بداية جديدة تقوم على مبادئ حقوقية سامية وهي العدل والانصاف والمساواة والشفافية والقضاء على الفساد والمصالحة العادلة في انتظار الرخاء الذي قد يطول انتظاره بعض الوقت.
حافظ الغريبي