لست أدري ، لماذا تظهر ببالي فجأة ، شخصية " مصطفى سعيد" بطل تلك الرواية الرائعة
بقلم / عبد الرؤوف بوفتح
لست أدري ، لماذا تظهر ببالي فجأة ، شخصية ” مصطفى سعيد” بطل تلك الرواية الرائعة
” موسم الهجرة الى الشمال ” ، للاديب الكبير : ” الطيب صالح”..كلما زرت بلدا أروبيّا.
فالثقافة الغربية مهما اكتسبناها تأثرا وتغريبا وحداثة..لن تستطيع بأي حال من الاحوال فسخ أو مسخ ما ورثناه في ذاكرتنا ، وما تعلّق في عقولنا من تراكمات ثقافية اجتماعية ، فكرية وحضارية كثيرة ومتنوعة شكّلت ملامحنا المتميزة احيانا .. والباهتة في جوانب اخرى.. ورسمت خصوصية هويتنا المختلفةعن انسان الغرب سلبا وايجابا.
نعم..نحن العرب نظل أعنف في كل شيء.. في فرحنا ..واحزاننا..
في أشواقنا وشجوننا..
في طمأنينتنا وغربتنا.. في جَمالنا وقبحنا.. في عشقنا وحيرتنا.. في ايماننا وطاعتنا ورفضنا.. في أَشْعارنا ..وحماستنا.. وبكائيتانا .. وحتى نخاستنا ..وتصوفنا
بل أقرب الى الغلظة والانحياز الى ما يجري في عروقنا وكبرنا عليه..حقا كان ام ملتبسا.. نقيّا.. ام ملوثا ..صحيحا ام مضحكا.
لست أدري ، لماذا احزن كثيرا كلما زرت بلدا اروبيا..
ليس من أجل ما وصلت اليه ماكينة شعوبهم من تقدم ورقي..ونعيم مس جوانب حياتهم
كافة برا وبحرا وجوّا..وحتى حلما..
بل صرت مقتنعا اننا لن نصل ابدا حتى الى تخومهم مهما سابقنا الزمن حتى ولو امتلكنا مخالب الريح..
بل انا حزين..لان شعوبنا لم تدرك بعد ان الاخلاق والنظافة فكرا وجسدا.. والصدق
وتقديس العمل واتقانه..هي من كرامة الانسان وتاج مروءته.
في سويسرا التي زرتها كم مرة..واراها في كل مرة تزيد رفعة.. ومجدا ..بالرغم من كونها لم يتغير فيها شيء..
اذ هي عبارة عن قطعة جغرافية الهية ساحرة ضمت شعوبا تتكلم :
الفرنسية
الالمانية
الايطالية
والرومانشية.
يعني اربع لغات لاربع قوميات
وهي تاريخيا معقل الصليب.. لكن
لا احد يحثك على الذهاب فورا للكنيسة حين تقرع اجراسها مدة ربع ساعة يوم الاحد.. ولا أحد ينعتك بالكفر او الزندقة والمجون..حين تختفي..
كل شعبها متجانس
يعشقون حياتهم مع بعضهم البعض في وفاق وتناغم عجيبين.
في سويسرا كل رجل او امراة وحتى الاطفال ،
يبتسمون في وجهك دون ان يعرفوك او تعرفهم..
في سويسرا يتركون أغراضهم في أي مكان..ولا يلتف اليها احد.. بل تستطيع ترك باب بيتك مفتوحا ليل نهار ولا احد يقترب من عتبتها او شبّاكها..
– عندنا : كل من يعترضك في الشارع ، ان لم يشح وجهه عنك.. فانه يسبك في قلبه.
ومع ذلك..قد اكون مصطفى سعيد في فَوْرته… لكن ، ليس في
نقمته ونظرته للحيتان الباردة.
فالجمال في كل اصقاع اروبا.. يظل جمالا كئيبا..لكن ملامحه تلمع كالذهب في كل مظاهر وفنون الحياة.
– باختصارشديد
لقد اخرجونا من التاريخ..وحولونا الى متاحف الخردة.. ولا خيار لنا اليوم.. لا شجاعة ولا هرب..!