تونس الآن خلال الأسبوع المنقضي وإلى حدود كتابة هذا المقال […]
تونس الآن
خلال الأسبوع المنقضي وإلى حدود كتابة هذا المقال تعيش الخطوط التونسية على وقع موجة جديدة من الاضطراب في الرحلات وتحديدا إلى فرنسا بالأساس.
اضطراب استوجب من الشركة اللجوء الى خدمات الكراء حيت تولت في مناسبتين اكتراء طائرة كبيرة الحجم من صنف ارباص أ330 من شركة فرنسية لإجلاء الركاب العالقين بفرنسا كما التجأت لكراء في مناسبتي على الاقل طائرات من الناقلة المنافسة نوفال آر لإجلاء ركاب عالقين بمرسيليا..
ولا يعود الاضطراب الحاصل هذه المرة الى مشاكل تقنية أو الى ضغط في البرمجة بل بالعكس فالأسطول ما فتئ يتعزز بطائرات جديدة وضغط موسم الذروة تراجع وانضباط المواعيد تحسّن غير ان مصادر من الخطوط التونسية تروي احداث غريبة حصلت خلال الأسبوع المنقضي حيث عمد بعض قواد الطائرات ومساعديهم الى الاستناد على المشاكل التقنية البسيطة لتعطيل الرحلات ثم وبمجرد تجاوز الاشكال يذوب هؤلاء بعد أن يغلقوا هواتفهم، والنتيجة تعطيل الرحلة وما يليها وتعطيل جلب الركاب العالقين بالمطارات الفرنسية فخطايا تأخير مكلفة للناقلة تصل الى تسديد 300 أورو لكل راكب بعد مرور 4 ساعات من الانتظار مع تعريفات تصاعدية إضافة للبحث عن فنادق لايوائهم واطعامهم على حساب الشركة زد على ذلك كلفة كراء طائرات لترحيلهم.
يأتي هذا متزامنا مع العُقلات التي ما فتئت تتهاطل على حسابات الناقلة الوطنية بسبب أحكام صادرة عن أبنائها المغادرين أو العاملين تردد أن كلفتها تصل الى عشرات الملايين من الدنانير إذ ترتفع قيمة التعويضات للشخص الواحد من عشرات الالف من الدنانير الى حدود 140 الف دينارا الشيء الذي دفع الإدارة العامة الى نشر تلك المذكرة الداخلية التي تسربت عبر الفايس بوك والتي جاء فيها أن الشركة قد تجد نفسها عاجزة عن تسديد أجور عامليها ومستحقات مزوديها بعد تواتر العقل وارتفاع عددها.
والنتيجة تحرك مزودي الشركة للاستفسار الشيء الذي دفع بالناقلة الى اصدار توضيح ليلا موجه بالأساس لهم.. وحسب مصادر من داخل المؤسسة فإن عدد القضايا المرفوعة تصل الى أكثر من ألفي قضية والأسباب معقدة لكنها تصبّ كلها في إطار مسار لاستباحة هذه المؤسسة الوطنية انطلق فجر انبلاج ثورة 2011 بدعم آنذاك من اتحاد الشغل .. مسار تم خلاله عزل تونس عن العالم جراء ذلك الاضراب التاريخي وانتهى شوطه الاول بإدماج الالاف من الموظفين والاقرار رسميا بضعف الدولة والذي كان من تبعاته انخرام مفضوح للتوازن المالي للناقلة التي زادت فيه الطين بلة الأوضاع الأمنية وتراجع الاقبال السياحي وعدم جدية الحكومات المتعاقبة والخلاف الابدي الذي يجمع بين كل وزير للنقل والإدارة العامة.
استباحة حوّل تلك البقرة الحلوب الى بقرة عاجز سقطت ارضا بعد أن جفّ ضرعها فكثرت السكاكين حولها التي باتت تقطع من لحمها ومالكها ينظر صامتا حتى لا نقول بالعين الشامتة… وإلا فكيف تفسّر صمت قصر باردو منبع السلطة الاصلية طيلة السنوات المنقضية عن إيجاد حل حاسم لوضعها ومعه صمت قصري والقصبة، وحتى الاجتماعات التي تعقد بين الفينة والأخرى كان المسؤولون المتعاقبون يخرجون منها بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها.
صحيح أن وضع الناقلة تأزم على امتداد عقد من الزمن وصحيح أن من أنصفهم القضاء من أبنائها لهم حقوق ثابتة على الأقل بقوة القانون لكن هل نظل جميعا نتفرج بالعين الشامتة كما يقول المثل التونسي أم علينا ان نساهم كل من موقعه في إيجاد حلول للإنقاذ وليس للإسعاف؟
اليوم يتحرك طيارو الشركة في اضراب مقنّع مطالبين بزيادات جديدة ليكونوا مماثلين في التأجير لنظرائهم في الناقلات الدولية ويعطّل بعضهم مصالح المسافرين ويزيدون وضع الشركة تأزما وكأنهم لا يعلمون أنهم بذلك يعجلون احالتهم على بطالة قسرية في ظل صمت السلط مثلهم مثل بعض العاملين بها الذين يمدون أياديهم كل شهر للحصول على مرتبات ويعمدون في الان نفسهم الى استصدار عُقلات تحفظية على حساباتها من اجل بضعة الاف من الدنانير المستوجبة لترقيات لم يتمتعوا بها او لمسائل أخرى للإدارات المتعاقبة فيها دور محوري.
لن ندخل في تفاصيل من له حق ومن تحيّل ومن طمع ومن يشتغل ومن يأتي لتسجيل حضوره ومن يريد أن يحصل على مرتب طيار بالخطوط القطرية وهو يقيم بتونس، ولن نتحدث عن المرتبات الخيالية التي يتلقونها حاليا والتي تفوق مرتب رئيس الحكومة بثلاث الى أربع مرات بل سنتحدث فقط عن مخطط اصلاح لا يكلّف الدولة دينارا واحدا لكنه قادر على اخراج المؤسسة من عنق الزجاجة سيما والاسطول ما فتئ يتجدد بتعزيزه بطائرات جديدة.. مخطط على الحكومة الحالية أن تحسم أمره إما بقبوله وتعديله أو برفضه والبحث عن حلول بديلة فصمت القصرين بعد غلق القصر الثالث طال أكثر من اللزوم.. فالسلطة الحالية لها كل السلطة المطلقة لتحديد المسار الذي تريده للناقلة الوطنية فوضعية لا هي بمطلّقة ولا هي بمعلّقة طال أكثر من اللزوم ..
واعتقادي فإن أفضل هدية تمنحها من الدولة المالكة لابنتها الغزالة، في عيد ميلادها الرابع والسبعين الذي تفصلنا عنه أيام قليلة، هي مخطط انقاذ يخرجها من وضعها الرديء كما أن أفضل هدية تتلقاها من أبنائها الذين “لحم أكتافهم من خيرها” هو راية بيضاء ووردة حمراء، فمكان الغزالة هو القلب وليس الجيب.
حافظ الغريبي