عالمية: على الرغم من أن اختطاف الأطفال والاتجار بهم جرائم تحدث أحيانا، إلا أن ما شهدته إسبانيا من تجربة مريرة يفوق التصور
على الرغم من أن اختطاف الأطفال والاتجار بهم جرائم تحدث أحيانا، إلا أن ما شهدته إسبانيا من تجربة مريرة يفوق التصور، فالحكومة كانت وراءها وضحاياها يقدرون بمئات الآلاف.
إنس مادريغال، كانت واحدة من الأطفال الصغار الذين اختطفوا من ذويهم، قالت في وصف ما جرى: “كنا سوبر ماركت أوروبي للأطفال، وسرق الأطفال لمدة 60 عاما”.
هذه الضحية كانت قد اختطفت وهي طفلة صغيرة من والدتها في عام 1969، وكانت واحدة من حوالي 300000 طفل اختطفوا من أسرهم وبيعوا في جميع أنحاء أوروبا على مدى 60 عاما!
هذه الظاهرة المأساوية الطويلة ظهرت عقب انتصار الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية ضد الجمهوريين بين عامي 1936 – 1939، واستمرت من عام 1939 إلى تاريخ وفاة فرانكو وانتهاء نظامه الفاشي في عام 1975، لكن اللافت والمثير للاستغراب أن ممارستها تواصلت حتى عام 1990!
بعد أن انتصر فرانكو، جرى اختطاف الآلاف من أطفال الجمهوريين أو الشيوعيين بأوامر من الجنرال، وجرى تسليمهم لعائلات موالية للنظام لتبنيهم، ولاحقا تحولت الظاهرة إلى انتزاع الأطفال من أوليائهم الذين عدوا غير مستقرين أخلاقيا او ماديا على الفور ومن مستشفيات الولادة. على سبيل المثال حين يكون الطفل قد ولد من دون زواج.
الأدهى أن عملية الاختطاف التي مورست بشكل واسع وبواسطة الخداع، شارك فيها الأطباء والكنيسة الكاثوليكية، وجرت العادة أن تبلغ الأمهات بوفاة أطفالهن حديثي الولادة، ويتم بيع هؤلاء إلى عائلات مختارة.
المواليد ضحايا هذه الجريمة الكبيرة كانوا ينتمون لآباء جمهوريين أو شيوعيين كانوا قاتلوا في الحرب الأهلية الإسبانية أو كانوا مناصرين لخصوم الجنرال فرانكو. كما أن بعض المواليد كانت أمهاتهم أو آباؤهم في السجون أو قتلوا في أتون الحرب.
الحيلة الرئيسة التي كانت تستعمل لانتزاع الأطفال من الوالدين “غير المرغوب فيهما” إبلاغهما بأن مولودهما مات لأسباب مختلفة عقب الولادة مباشرة. وتم لاحقا بعد تفجر الفضيحة بشكل رسمي وبدء التحقيقات في القضية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، الكشف عن آلاف القبور المزيفة لمواليد انتزعوا من أهلهم وتم الإبلاغ عن وفاتهم وجرى بيعهم في السوق السوداء من قبل راهبات وعاملين في السلك الكهنوتي، حتى أن تقارير تؤكد أن الكنيسة الكاثوليكية كانت ناشطا رئيسا في تلك الشبكة السرية للمتاجرة بالمواليد.
يجري الذكر في هذا السياق أن جميع زبائن هذه التجارة كانوا من الأسر الثرية وقد تم خداعها بالقول إن المبلغ الكبير من المال الذي ستدفعه مقابل الحصول على المواليد مرتبط بـ “ضريبة للتبني”.
من أمثلة أساليب الخداع التي استعملتها هذه الشبكة السرية المرتبطة بنظام الجنرال فرانكو أن امرأة تدعى أنغيلا ألفاريز، أبلغها الأطباء في عام 1976 بأنها حامل بثلاثة توائم، ثم اعتذروا وقالوا إن خطأ جرى وأنها حامل بتوأم فقط، ولاحقا أخبروها أن أحد التوأمين توفى، وواجهوا غضبها بمواساتها بالقول “بقي لديك واحد”، وحين أروها جثة وليدها في اليوم التالي استغربت حين ألقت نظرة عليه، مشيرة إلى أنه يبدو كبيرا، أقنعوها بأنها مرهقة وأن الأمور طبيعية جدا!
أحد قضاة التحقيق في هذه القضية يقول إن حوالي 30000 مولود انتزعوا في الفترة التي أعقبت الحرب الأهلية الإسبانية، في حين تواصلت ظاهرة اختطاف الأطفال للمتاجرة بهم واستمرت حتى بعد انتهاء نظام فرانكو عام 1975.
بالمقابل، يقدر عدد من المحامين الأطفال الذين اختطفوا من أمهاتهم بما يصل إلى 300000، وقد تم تسليمهم للتبني لأسر دفعت مقابلهم مبالغ كبيرة، بلغت قيمتها في بعض الحالات ما يعادل 6000 يورو.
منذ مدة يحاول 261 من ضحايا اختطاف الأطفال في إسبانيا البحث عن والديهم الحقيقيين، إلا أن القليل فقط نجح في ذلك، في حين يحاول الكثيرون من هؤلاء البحث عن “العدالة” المفقودة.