بقلم: حمّه الهمّامي “لا بأس نحتاج إلى الوقوع أحيانا كي […]
بقلم: حمّه الهمّامي
“لا بأس نحتاج إلى الوقوع أحيانا كي نشعر بروعة الوقوف” (مثل شائع). فلنناضل بلا هوادة حتى لا نندم عن التقصير ساعة لا يجب التقصير.
عاد الحديث مجددا عن “المخططات الداخلية والخارجية” التي تستهدف شخص الرئيس ومؤسسة الرئاسة “ضَرْبَة وَحْدَة”. كان ذلك في النقطة الإعلامية التي نظمتها وزارة الداخلية صبيحة اليوم والتي مُنع فيها مرة أخرى الإعلاميات والإعلاميون من طرح أسئلتهم. وكالعادة لم تقدّم المتحدثة باسم وزارة الداخلية أية معلومة جدية تثبت وجود تلك التهديدات.
وبالطبع ليست هذه أول مرة تثار فيها مثل هذه المسائل. لقد تحدث قيس سعيد قبل انقلاب 25 جويلية 2021 أكثر من مرة عن “المؤامرات” التي تُحاك في الغرف المظلمة بـ”التواطؤ مع أطراف أجنبية”. ولم يكشف لنا عن أية مؤامرة ولا عن تولي القضاء التحقيق فيها. وفي لحظة من اللحظات أقام البعض الدنيا ولم يقعدها حول “الظرف المسموم المشبوه” الذي وصل الرئاسة وتسبّبت في إصابة رئيسة ديوان الرئيس وقتها نادية عكاشة بإغماءة. وجاءت تحاليل المخابر المختصة التابعة للأمن لتكذّب هذه الرواية ومرّت الأمور كأنّ شيئا لم يكن في حين كان من المفروض محاسبة مروّجي هذه الأقاويل.
وقد نبّهنا وقتها الرأي العام، بألّا يذهب في اعتقاده أنّ الأمر مجرّد شطحات أو هلوسات رئاسية بلا هدف. وأكّدنا أنّ ما يقوم به قيس سعيد هو أسلوب تفكير وعمل شعبويّين، مدروس وله أهدافه. إنّ افتعال مثل تلك الروايات، في غياب أية حجة أو أيّ بحث قضائي، هو من صميم الشعبوية، وأساليبها. وهو يهدف أوّلا إلى تلهية الناس عن مشاغلهم الحقيقية وثانيا إلى تخويفهم (استراتيجية التخويف) وكسب تعاطفهم بإيهامهم بأنّ “الزعيم الملهم” الذي “بعث” إليهم من “خبايا التاريخ”، حتى لا نقول من السماء، في خطر. وقد استغلّ قيس سعيد ذلك في الإعداد لانقلابه وتنفيذه. وهو ما يفعله اليوم. فهل قدّمت لنا المتحدثة باسم وزارة الداخلية اليوم أيّ معطى ملموس حول التهديدات يرتقي إلى مستوى “المعلومة”؟ بالطبع لا. وهل أفادتنا بإحالة الأمر عن النيابة العمومية؟ بالطبع لا. فإذا كان الأمر ما يزال في طور البحث فلماذا إفشاؤه لما في ذلك من ضرر بالبحث؟ وإذا تمّ كشف خيوط “المؤامرة” فما المانع من تقديم المعلومات إلى الرأي العام؟
مرّة أخرى نقول، ونحن نعي تمام الوعي المخاطر الأمنية، الداخلية والخارجية، التي تستهدف وطننا بحكم الأزمة السياسية والاجتماعية التي يتخبّط فيها، إنّ كلّ ما في الأمر، أنّ قيس سعيد، يستعمل الأسلوب الشّعبوي المعتاد، لا بنيّة مواجهة تلك المخاطر الأمنية الجدية، وإنّما لتحقيق مآرب شخصية. وهي ثلاثة هذه المرّة: أوّلها “تحفيز” الناس على المشاركة في مبايعة 25 جويلية القادم لشخصه وعدم الانتباه إلى ما ينتظرهم من متاعب وخراب جرّاء هذه المبايعة بناء على دستور معدّ في “الغرف المظلمة” لتمكين “جلالته” من تركيز “دكتاتوريته الجديدة”، وثانيها تلهية الناس عمّا ينتظرهم من تدمير ممنهج لما تبقّى لهم من قدرات معيشية ضئيلة وجدّ محدودة بعد أن ظهرت “تباشير” رضاء صندوق “النهب” الدولي عن “مشروع إصلاحات” حكومة “فخامته” ومطالبتها بالبدء في تنفيذها (رفع الدعم، الترفيع في الأسعار، تجميد الأجور، وقف الانتدابات الخ…) ممّا سيؤدّي إلى سلخ عامة الكادحين والفقراء وذبحهم من “قفاهم” هذه المرّة. وثالثها: حرف الاهتمام عمّا يروج بإلحاح من ضغوط لدفع قيس سعيد لـكي يخطو خطوة جديدة وحاسمة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، خطوة “تعزّز” الخطوات السابقة التي قام بها خلال ولايته ومنها خاصة وصول رحلة مباشرة من تل أبيب إلى جربة بمناسبة الزيارة السنوية لـ”الغريبة” وحضور وزير الدفاع في اجتماع أطلسي بإشراف أمريكي في ألمانيا إلى جانب وزير دفاع الكيان الصهيوني…
هذا هو “مخّ الهدرة”. والقادم أعظم.