عالمية: وجه الأسير الأسير كريم يونس (66 عاما) رسالة من سجن "هداريم" عشية تحرره من الأسر، بعد 40 عاما قضاها في سجون الاحتلال.
وجه الأسير الأسير كريم يونس (66 عاما) رسالة من سجن “هداريم” عشية تحرره من الأسر، بعد 40 عاما قضاها في سجون الاحتلال، ودّع خلالها رفاقه وعبّر عن المشاعر التي تراوده قبل لحظة التحرير التي طال انتظارها.
ونقلت المحامية غيد قاسم، رسالة الأسير يونس المؤثرة، والتي عكست الروابط المتينة التي تجمع بين الأسرى في سجون الاحتلال، وتصف المشاعر الخاصة المختلطة التي تخالج الأسرى المحررين بعد قضاء معظم سنوات حياتهم في الأسر، بعد زيارته اليوم في سجن “هداريم”.
وجاء في نص رسالة الأسير يونس أنه “ها أنا أوشك أن أغادر زنزانتي المظلمة، التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ أن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين أخوتي أخوةُ القيد والمعاناة، أخوة جمعنا قسمٌ واحد وعهدٌ واحد”.
وأضاف “أغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعًا حريتي برفقةِ أخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيلًا استقبال يعبر عن نصرٍ وإنجازٍ كبير، لكني أجد نفسي غير راغبٌ، أحاول أن أتجنب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لإخوةٍ ظننتُ أني سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتما ثوابتٌ في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجزِ، خصوصًا حين أنظر في عيون أحدهم وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود”.
وتابع “سأترك زنزانتي، وأغادر لكن روحي باقيةٌ مع القابضينَ على الجمرِ المحافظين على جذوةِ النضال الفلسطيني برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا، لكن سنواتِ أعمارهم تنزلق من تحتهم، ومن فوقهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، وهم لا زالوا يطمحون بأن يروا شمس الحرّيّة لما تبقى من أعمارهم، وقبل أن تصاب رغبتهم بالحياة بالتكلف والانحدار”.
وأضاف “سأترك زنزانتي، والأفكار فجأة تتزاحم، وتتراقص على عتبة ذهني وتشوشُ عقلي فأتسائل محتارًا على غير عادتي إلى متى يستطيعُ الأسير أن يحمل جثته على ظهره، ويتابع حياته والموت يمشي معه، وكيف لهذه المعاناة، والموت البطيء أن يبقى قدرهُ إلى أمدٍ لا ينتهي، في ظل مستقبلٍ مجهول، وأفق مسدود، وأمل مفقود وقلقٌ يزداد مما نشاهدُ، ونرى من تخاذلٍ، وعدم اكتراث أمام استكلاب عصاباتٍ تملك دولة، توحشت، واستقوت بخذلان العالم، على شعب أعزل، حياته تُنهش كل يوم دون أن يشعر أنّ جروحه قد لا تندمل وأن لا أمل له بحياةٍ هادئة ومستقرة، ومع ذلك بقي ندًا، وقادرًا على الاستمرار”.
وتابع “سأترك زنزانتي، وأنا مدركٌ بأن سفينتنا تتلاطمها الأمواج الدولية، من كل صوبٍ وحدب، والعواصف الإقليمية تعصف بها من الشّرق والغرب، والزّلازل المحلية، وبراكين عدوانية تكاد تبتلعها، وهي تبتعد، وتبتعد عن شاطىء حاول قبطانها أن يرسو إليه قبل أكثر من ربع قرن”.
وأضاف “سأترك زنزانتي، مؤكدًا أنّنا كنّا ولا زلنّا فخورونَ بأهلنا وأبناء شعبنا أينما كانوا في الوطن والشّتات، الذين احتضنونا، واحتضنوا قضيتنا على مر كل تلك السنين، وكانوا أوفياء لقضيتنا ولقضية شعبنا، الأمر الذي يبعثُ فينا دائما أملاً متجددًا، ويقينًا راسخًا بعدالة قضيتنا وصدق انتماءنا وجدوى وجوهرِ نضالنا”.
وتابع “سأترك زنزانتي، رافعًا قبعتي لجيل لا شك أنه لا يشبه جيلي، جيل من الشّباب الناشط والناشطات الذين يتصدرون المشهد، في السنوات الأخيرة، جيل من الواضح أنهم أقوى و أجرأ، وأشجع والأجدر لاستلام الراية، كيف لا وهم المطلعون على الحكاية والحافظون لكل الرواية، والحريصون على تنفيذ الوصايا، وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقه بالعودة وتقرير المصير، فطوبى لهذا الجيل الصاعد رغم أجواء التهافت”.
وختم بالقول: “سأتركُ زنزانتي، بعد أيام قليلة، والرهبة تجتاحني باقتراب عالم لا يشبه عالمي، وها أنا أقترب من لحظةٍ لا بد لي فيها إلا وأن أمر على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ودون أن اضطر لأن أبرهنَ البديهيّ الذي عشتهُ، وعايشته على مدار أربعين عامًا، علني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة، وأنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي نشيد الفدائي… نشيد العودة والتّحرير”.
وتستعد عائلة الأسير يونس لاستقبال ابنها الأسير بعد قضاء 40 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلية، وسيتحرر الأسير يوم 6 كانون الثاني/يناير الجاري من سجون الاحتلال الإسرائيلية.
وكان يونس قد اعتقل في 6 من كانون الثاني/ يناير 1983، وولد الأسير في قرية عارة، واعتقل يونس خلال فترة دراسته اللقب الأول في جامعة “بن غوريون” في مدينة بئر السبع.