ابناء جيلي ، يتذكرون جيدا احداث مدينة قفصة التي خطط […]
ابناء جيلي ، يتذكرون جيدا احداث مدينة قفصة التي خطط وجهز وأعدّ لها حاكم ليبيا انذاك ” معمر القذافي” كَمْشة من المرتزقة للاطاحة بالزعيم ” الحبيب بورقيبة” والدفع بمحاولتهم الدموية البائسة الى زعزعة الاستقرار ببلادنا ، وبث الفوضى والهلع في صفوف الشعب ، بعدما اختار جهة الجنوب ، وجهة قفصة تحديدا لانطلاق شرارة التمرد والعنف والعصيان المدني ، لاسباب ايديولجية ، وما تضمره” عروش الجنوب ” بصفة خاصة من كره وتململ الى حد النقمة احيانا ازاء راس الحكم في بلادنا الذي ازاح ” صالح بن يوسف” يرحمه الله وثلة من انصاره ومريديه من مسرح المشهد السياسي التونسي في ذلك الوقت ، نظرا لما جاهروا به من توجهات وميولات قومية ” عروبية ” وِحْدَوية بالاساس وصلت الى حدّ بيعة المرحوم ” جمال عبد الناصر” ، والالتزام بالنضال تحت رايته التي اثبت الزمن انها كانت تحمل شعارات الوهم والاحلام الرنانة الكاذبة ، والخديعة ، كمثل الطبل الاجوف الذي استدرج ثعلب ” عبد الله بن المقفع ، وان الزمن اثبت ايضا ،، ان الزعيم ” الحبيب بورقيبة” كان على جانب كبير من الصواب والواقعية حين خاطر بمفرده ،، وبشجاعة لا مثيل لها في تلك الحقبة الصعبة والمعقدة،، بالصمود في وجه المُغيربن ..والاصداع بما قاله سعد بن عبادة في وجه معارضيه : ” لن ابايع قريشيا واحدا اعلم انه ليس على حق”.. وانسلخ عن تلك الجوقة الاستعراضية البهلوانية العابرة التي لم تخلف لشعوبها سوى الهزائم والفقر والتخلف والاحتقار اصلا.. وتلك قصة اخرى على رأي الاديب السوداني العبقري ” الطيب صالح”.
_ انّ الذي نبش ذاكرتي لاستحضار وتحسس البعض من هذه الجراح العربية الغائرة فينا منذ زمن الغراب وقابيل وهابيل وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم.. وحتى أيامنا الكئيبة التعيسة الرخيصة هذه ، هو ” الارهاب” يا سادتي.
ولعل الجميع بتذكر ، انه بعد أن تم القضاء على نلك العصابة في مدينة قفصة ، واخماد فتنتها والكشف عن ملابساتها والاطراف الخارجية التي تقف وراءها.. تم ، وكما تعلمون القبض على قائدهم والبعض من اتباعه..
وبالرغم من محدودية التقنيات و التجهيزات المتوفرة آنذاك في المجال البصري والسمعي ، فقد تمكن الشعب التونسي برمته من متابعة فصول وأطوار محاكمة اولئك المجرمين الارهابيين مباشرة عبر التلفزيون والاذاعة ، فضلا عن صفحات الجرائد اليومية والمجلات الاسبوعية وحتى الشهرية ، بل والوقوف على اعترافاتهم واحدا واحدا بالتفصيل الدقيق ايضا..وبذلك انقلب السحر على الساحر ، واستطاع الزعيم ” بورقيبة” بفضل حنكته ودهائه السياسي ان يمتص غضب المُتململين والناقمين والمعارضين له من بنزرت الى بنقردان ، وخاصة بالجنوب والحوض المنجمي ، بل استطاع ان يجعل من تلك المأساة ، ومن دم الشهداء المدنيين والامنيين الابرياء ملحمة وطنية كبرى تهتف باسم تونس ، وتستنكر كل اساليب العنف والدم والحقد الاعمى والغدر والخيانة.
اقول .. فعلها اعلام ” بورقيبة” امام الناس اجمعين ومباشرة عبر البث ” الحي” ولساعات وايام متتالية في ذلك الوقت ، وحال وقوع الجريمة رغم قلّة الامكانات التقنية وحتى المادية والبشرية.
_ ويبقى السؤال الحريق الكبير :
هل تعرف اغلبية الناس ، والى ساعة حادثة الخنازير التي ضربت مدينة ” سوسة” مؤخرا ،، وراح ضحيتها شهيد الوطن ” سامي مرابط” الذي ترك وراءه زوجته الحامل وطفلين بريئين يحلمان بوطن تنتشر فيه ومن حولهما حقول الفرح العذب. _ هل تعرف من ذبح جنودنا ، واغتال غدرا الرعاة في الجبال ثم خِيرة أمْنيينا في الحافلة الرئاسية ،.. _ وقبل ذلك…هل نعلم شيئا ومنذ سنوات عن مصرع الشهيدين ” شكري بلعيد” و” محمد البراهمي”.. وهل حاول حكامنا مسح دمعة احد فينا وتعزيتنا ، وتخفيف لوعتنا ، واوجاع جراحنا واطفاء تنهيدتنا وقهرنا ، و مصائبنا المتتالية بالليل والنهار.
لماذا لا نعلم شيئا تقريبا عن اولئك الخنازير القتلة الارهابيين الى يوم بؤسنا هذا ..؟؟
ولماذا ، لا تقع محاكمتهم امام الناس اجمعين ، وعبر جميع القنوات والفضائيات التلفزيونية ، والسماح للصحفيين ووسائل الاعلام المكتوبة بالنفاذ الى المعلومة..وتمريرها الى الراي العام بكل صدق وشفافية ومسؤولية..
ان كل هذا لا يعد اسرار دولة ياااسادتي.. بقدر ما هو أمن قومي يمس كل فرد في المجتمع التونسي ومن حق الكبير والصغير ان يطمئن على الاقل على حياته التي صارت بائسة ومرتبكة وغير آمنة بعد انفلات كل شيء من حوله.
فهل بخشى هؤلاء اللصوص الذبن باتوا يتحكمون في رقابنا من انعاكاسات خطيرة اخرى داخلية وخارجية حين يزيحون كل اوراق التوت هذه ..عن عورات الخنازير الارهابية بتعلّة احترام ” اسرار الدولة ” وحقوق الانسان وما الى ذلك من كل اساليب الزور والبهتان ومجانبة الحقيقة وطمسها ، وتحت بيارق الخديعة والمكر والخيانة ايضا.
ان الذي يحمل ” كلاشنكوف”وحتى آلة قتل صغيرة ويذهب مباشرة لذبح وقتل امنيينا وعسكريينا واخواننا الابرياء..واغتصاب شرفنا وفرحنا وطمأنينتنا واستقرار بلادنا… لن اكرم وِفادته ، وآخذه الى فندق خمس نجوم ، او احجزه حتى ضمن نصف متر مربع داخل اي سجن من سجون تونس..ليأكل ويشرب وينعم ولو للحظة بنصف ثانية من حياته .. على حساب اموال الشعب.. ودافعي الضرائب ..ولن ابحث في مجلدات القوانين التونسية والاجنبية عن فصول حقوق الانسان ، وتشخيص حالته النفسية والعقلية المنتهية صلوحيتها اصلا… بل ان أساله ابدا كم الساعة الان..يااا سادتي..!