بقلم علي الجليطي لاف تولستوي (أو” لوي” وكذلك “ليون” كما […]
بقلم علي الجليطي
لاف تولستوي (أو” لوي” وكذلك “ليون” كما تم تحريفه بالفرنسية) هو أديب ومفكر وفيلسوف ومصلح إنساني من أعمدة الأدب الروسي ومن عمالقة الروائيين العالميين. ولد سنة 1828 بقرية صغيرة تسمى “يسيانابوليانا” من مقاطعة” طولا” بروسيا في عائلة ثرية ذات أملاك ومزارع كبرى. عاش طفولته – بعد موت أمه وهو في الثانية من عمره- مدللا معززا من قبل والده الكونت تولستوي. وعندما توفي أبوه سنة 1836 وكذلك جدته بعد بضعة أشهر، لم يبق له مع أخويه سوى الانتقال ليعيش في حضن خالته ثم عمته بمنطقة “الكازان”. درس بالجامعة اللغات الشرقية ومنها اللغة العربية، ثم قاده فكره المتيقظ وحالة الشك التي تراوده في كل شيء إلى دراسة القانون. وفي سنة 1847 قرر الاستقرار في مزرعته والتعمق في دراسة اللغات والرياضيات والطب والتاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية والفلاحة. وكان كل ذلك من أجل هدف وحيد تحسين الأوضاع المزرية للعبيد من عمال فلاحة الأرض. وقبل أن يمر إلى مرحلة تطبيق أفكاره، أقنعه أخوه “نيكولاي” بالانتماء مثله إلى جيش القوقاز، وهكذا أصبح من ضباط سلاح المدفعية.
وبمرور الزمن تكثف لدى تولستوي نوع من القلق الفكري وكثير من الهواجس الفلسفية ومنها عبثية الوجود، فكتب في كراس مذكراته سنة 1855 ما يلي: ” إن الحوار يوم أمس حول الأولوهية والعقيدة أثار في ذهني فكرة عظيمة وجليلة وهي أني أرى في نفسي القدرة على تسخير حياتي لتنفيذها. وهذه الفكرة تتمثل في بعث ديانة منسجمة مع تطور الإنسانية هي دين المسيح ولكن بعد تنقيته من(شوائب) العقيدة ومن الغموض الذي يلفه، وبالتالي دين عملي لا يعِد بالنعيم في المستقبل وإنما يوفّره في هذه الدنيا”. بدأت هذه الأفكار تراوده عندما اندلعت الحرب “بسيباسطبول” فشرع في بعث مراسلات حربية لجريدة “المعاصر” كانت جد مؤثرة لدرجة أن القيادة قررت نقله إلى معسكر “بلباك” حيث ما إن استقر به حتى شرع في كشف فضائح الفساد المتفشية بين الضباط مما اجبره على الاستقالة من الجيش معلنا أن الهدف في حياته هو “المجد الأدبي وهو الخير الذي يمكن أن ينشره” بفضل مؤلفاته.
من كتبه الشهيرة نذكر روايته “الحرب والسلام” و” انا كارينا” و “موت ايفان اليتش” و” حكم النبي محمد” وهي المؤلفات التي تؤكد إيمانه بمحبة الناس وإمكانية إصلاح المجتمع بفعل الخير ونبذ العنف ونشر السلم والمقاومة السلبية للشر على طريقة ما نعرفه عند غاندي ومارتان لوثر كينج ومانديلا. وفي تدوينة كتبها الباحث في الحضارة العربية جميل الهمامي يذكر أن تولستوي تطرّق في كتاب “حكم النبي محمد” لشخصية الرسول بعيدا عن خضوعه للهالة والقدسية التي يحيط بها المسلمون أنفسهم، فهو يتحدّث عن محمد النبي ومحمد الإنسان ممّا جعله في نظر تولستوي شخصية عظيمة بل أعظم شخصية لاّن “محمد هو مؤسس دين، ونبي الإسلام الذي يدين به أكثر من مائتي مليون إنسان (مطلع القرن 20)، حيث قام بعمل عظيم بهداية وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله”.
وفي سنة 1860 وبعودته من زيارة للعديد من أوروبا الغربية، علم تولستوي أن الكسندر الثاني قيصر روسيا ألغى الرق وأمر بتحرير العبيد، فقرر تنفيذ أفكاره وإدخالها حيز الواقع في مزرعته ومنطقته ولاسيما من خلال وظيفته “كموفق اجتماعي وحَكم سِلمي”. ولكن بسبب تكاثر أعدائه والناقمين على أفكاره، استقال تولستوي من تلك المهمة وأقدم على بناء عش الزوجية سنة 1862 قبل التفرغ لكتابة أشهر مؤلفاته “الحرب والسلام” ثم رواية “انا كارينا” وأخيرا “موت ايفان اليتش” التي كتبها وهو في ذروة الإيمان بأفكاره الخيرية وحسه الطبيعي بضرورة الكمال الخلقي ونبذ شرور الحياة وعبثيتها. وهكذا توفي تولستوي سنة 1910 مثل بطل روايته مؤمنا بقيمة التضامن الإنساني ومدركا أن الموت ليس إلا “إنقاذا” من الحياة.
بقلم علي الجليطي