كتاب هالة وردي حول بداية “التمزّق” الإسلامي في عهد الخلفاء […]
كتاب هالة وردي حول بداية “التمزّق” الإسلامي في عهد الخلفاء
“هالة وردي” أستاذة في الأدب والحضارة الفرنسية بالجامعة التونسية وباحثة مشاركة في مخبر الدراسات حول ديانات التوحيد بالمركز الوطني للدراسات الاجتماعية. وسبق أن أصدرت بالفرنسية سنة 2016 عن دار “ألبان ميشال” كتاب بعنوان “الأيام الأخيرة في حياة محمد”. وفي كتابها الجديد الصادر سنة 2020 عن دار “سريس للنشر”، شرحت الكاتبة هالة وردي حالة “التمزق” التي نبتت من رحمها الجذور الأولى للفتنة والمتمثلة في الخلاف الشديد الذي تفجّر بين “المهاجرين” من مكة و”الأنصار” من سكان المدينة منذ الساعات الأولى بعد وفاة الرسول.
ويحمل هذا الكتاب عنوانا مثيرا هو لعنة الخلفاء – أو بالأصح “الخلفاء الملاعين” نسبة لما جاء على لسان السيدة فاطمة ابنة الرسول عليه السلام عندما لعنت الخليفة أبو بكر الصديق وكل من بايعه إذ هو برأيها “اختطف” الخلافة من زوجها علي بن أبي طالب ثم رفض منحها ميراث أبيها بعد وفاته وإحالته إلى بيت مال المسلمين. وتقول الكاتبة – في ما لا يقل عن 233 صفحة من الحجم المتوسط وفي أسلوب سردي هو اقرب إلى الرواية منه إلى التحليل ولكن بالاعتماد في كل ما ترويه على وقائع ومراجع تاريخية ثابتة – تقول أن الصراع بين المهاجرين والأنصار تفجر في سقيفة بني ساعدة حيث اجتمع “الأوس والخزرج” مباشرة يومين بعد وفاة الرسول في محاولة لاستباق الأحداث وإعلان بيعة الخلافة لسعد بن عبادة رئيس قبيلة الخزرج. ولما تناهى الخبر إلى عمر بن الخطاب توجه مسرعا رفقة أبي بكر الصديق إلى مكان الاجتماع لإقناع الحاضرين بالبيعة لخليفةٍ من المهاجرين. ولكن الأنصار لم يقبلوا هذا الاقتراح وطالبوا بتقاسم الحكم بين الجانبين باعتماد صيغة “منكم أمير ومنا أمير”. وبدورهم رفض المهاجرون هذا الطلب وقابلوه بمقترح جديد قوامه “لنا الإمارة ولكم الوزارة”.
واشتد النقاش والخصام والصراخ إلى حد تبادل الشتم والثلب فالصراع وتبادل العنف وسحب السيوف بين عمر بن الخطاب والخزرجي حباب بن منذر المكنّى “ذو الرأي” بصفته مستشار الرسول في الشؤون العسكرية. وانتهت المعركة بعد كر وفر إلى إعلان البيعة لأبي بكر الصديق ولكن عن مضض سواء بالنسبة له شخصيا أو بالنسبة لنخبة “الأنصار”. وتؤكد الكاتبة أن هذا التنافس المقيت هو نتيجة تراكمات منذ عهد الرسول حيث كان عليه السلام ينجح دائما بحكمته في رأب الصدع بين المهاجرين والأنصار ولكن بعد وفاته سعى كل طرف إلى الاستيلاء على الحكم باعتباره غنيمة الميراث. ومنذ تلك اللحظة بات الدين الإسلامي موضع صراع بين الطرفين أي جماعة قريش المهاجرون من مكة باعتبار أن الدين الإسلامي تم بعثه من صلبهم فهم بمثابة أصحاب “رأس المال” من ناحية، وبين “الأنصار” من الأوس والخزرج سكان المدينة “يثرب” من ناحية أخرى، باعتبارهم أول من ساهم في “استثمار هذا المشروع” بدعمه ونصرته، وهم يومئذ بعد وفاة الرسول يطالبون بحقهم في تقاسم الأرباح والغنيمة الناتجة عنه. ومنذ ذلك التاريخ، أضحى الدين الإسلامي عبارة عن تجارة سياسية تتجاذبها القوى المتنافسة المتنافرة الطامعة أولا وقبل كل شيء في الاستحواذ على السلطة.
وهكذا كانت جذور الفتنة الإسلامية التي امتدت بعد ذلك عبر التاريخ بالصراع بين الشيعة والسنة أي بين من تشيّع لعلي ابن أبي طالب كخليفة شرعي للمسلمين باعتباره من أهل البيت واقرب أقرباء الرسول، وبين من بايع أبا بكر الصديق ومن بعده عمر بن الخطاب فعثمان بن عفان. وهو صراع بات واقعا تاريخيا متوارثا بعد قتل الحسين بن علي فيما يعرف بمعركة كربلاء…
علي الجليطي