تونس الان يشهد الاقتصاد التونسي حاليا ضغوطا تضخمية كبيرة لمسها […]
تونس الان
يشهد الاقتصاد التونسي حاليا ضغوطا تضخمية كبيرة لمسها المواطن على أرض الواقع عبر الارتفاع غير المسبوق لعديد السلع والخدمات بما حوّلها الى ظاهرة مقلقة خاصة مع عدم ترفيع الأجور في ظل أزمة خانقة يشهدها الاقتصاد التونسي والعالمي بصفة عامة.
تفشي التضخم هذا أقلق مضجع المواطن والحكومة على حد سواء وهو ما تفسره تحركات رئيس الجمهورية وبياناته وكذلك وزيرة التجارة خاصة مع فقدان بعض المواد الأساسية في الأسواق بما دفع الحكومة إلى إلقاء مسؤولية كامل الازمة على ظاهرة الاحتكار بصفة حصرية وبالتالي فلا حل الا تشديد المراقبة على الأسعار وعلى المحتكرين.
ولئن تمثل ظاهرة الاحتكار سببا في فقدان بعض المواد الأساسية وارتفاع الأسعار فإنها لا تفسر لوحدها تدهور القدرة الشرائية للعائلة التونسية لأن وبكل بساطة هناك أسبابا موضوعية أعمق من ارتفاع الأسعار فاذا ما تم تحليل الأسباب بكل موضوعية سهلت عملية الإصلاح وهو ما لا ينطبق حاليا على السياسة المتخذة في هذا المجال.
فارتباط الاقتصاد التونسي بالاقتصاد العالمي هو أولها، اذ شهدت كل السلع ارتفاعا غير مسبوق نتيجة ارتفاع تكلفة الشحن بعد تراجع جائحة كورونا وارتفاع الطلب العالمي جراء تحرك نمو الاقتصاديات الكبرى، حيث كان معروفا ومنذ أواخر السنة المنقضية أن هناك ضغوطا تضخمية ستؤثر حتما على مستوى الأسعار في تونس.
أضف الى ذلك أزمة المالية العمومية التي لم تمكّن الدولة من تمويل عمليات شراء المواد الأساسية بكل نجاعة ولنا في تأخير تسلم عديد شحنات الحبوب المتعددة خير مثال لذلك وما انجر عنها من أعباء هامة.
ولعل السبب المركزي هو اهتراء منظومة الدعم وتآكلها والتي أصبحت عبئا على الدولة، الدولة التي تتدخل في السوق دون أدنى نجاعة وفقدت بالتالي دورها كعامل اقتصادي هيمن على السوق وخاصة دورها المركزي كمعدل وأداة رقابة ناجعة.
ومن الاسباب كذلك اختلال هيكلي للعرض والطلب في عديد المنتجات نتيجة تفاقم وضعيات الهيمنة حتى من الدولة نفسها والحواجز الإدارية عبر التراخيص التي سببتها سياسة الدولة وغياب آلية الردع من قبل مجلس المنافسة.
ولعل الازمة الاوكرانية حاليا ستفاقم من حدة ارتفاع الأسعار وستؤثر على التزويد في المدى القريب وبالخصوص على المواد الأساسية حيث سترفع الأزمة في كلفة الإنتاج والأسعار على حد سواء.
وبالتالي فان تعاطي الدولة مع هذه الظاهرة بتشديد الرقابة واعتبار الاحتكار هو السبب الحقيقي لن يجدي نفعا لعديد الأسباب أهمها أن الرقابة هي وسيلة ردع فقط ولا يمكن أن تكون مستمرة كامل الوقت ومتواجدة في كل القطاعات هذا الى جانب ضعف الموارد المتاحة للدولة للقيام بهذا الدور.
ان الإصلاحات الهيكلية صعبة التحقيق وموجعة لكنها السبيل الوحيد لتخطي الازمات بطريقة هيكلية، ويبدو أن الازمة الحالية تمثل أفضل مناسبة لاتخاذها فليس كل مظاهر الازمة سلبية بل يمكنها أن تمنح أصحاب القرار فرصة لتغيير المسار بصفة يقبل بها كل المتدخلين.
محمود بن محمد