بقلم: هاجر عوري رأسي تفور.. تفور وتزدحم بالمعنى والضّوضاء… […]
بقلم: هاجر عوري
رأسي تفور.. تفور وتزدحم بالمعنى والضّوضاء… كم أودّ أن أكون قاتلة تتلبّس أناملي بحيثيّات الجريمة الكاملة، فقد بلغت من ضيق الصّبر أقساه وأقصاه ومن التّعنّت أعلاه… إنّه منتصف الحلم ونيف دقّت السّاعة تخنق عقاربها فأنشئ زمني وأعدّ ما أحتاجه.. قفازات ولثام ومثقاب لإقتحام أبواب الخنوع. على يقين أنّني سأغتال القاضي الأبله أيضا يضرب مطرقته ككلب مسعور فيزيد من إزدحام رأسي والضّوضاء.. هو لا يعلم أنّ من لا يرتكب جريمة كريمة غير جدير بالحياة…. فالجريمة فعل وجود وفناء في البقاء وسفر في النّقاء.
كم أودّ اليوم أن أكون قاتلة أطعن ملح المآقي في الخاصرة فأحلّي الدّمع الجسور.. تنتشي حينها الرّوح ويسكن الأهداب كحل الخلود فيولد الجمال وأيّ جمال… بعدها أسافر سفرا طويلا إلى الشّفاه المقفرة المهجورة اليابسة التي لم تعرّش فيها الابتسامة منذ ما قبل البدايات إلى ما بعد الخواتم ولم تنطق بلغة الوجد والحب إلاّ صمتا رماديّا كالخديعة، أغتال شحوبها وأكتم شجنها وأجرّ جثّة اليأس المنثور حولها إلى تلّة النّسيان…
كم أودّ أن أكون قاتلة فأطفئ جمر قلوب العصافير النّائمة خدرا بين القضبان تنشد السّماء وتعدّ الشّمس على مهل فيهزمها الغيم ويحجب البهاء، حينها تسقط أجنحتها تباعا باكية، مكلومة مرتجفة كالثكلى فأضمّد نزفها وأستحيل أجنحة قدّت من زجاج لا يكسر ولا ينثني فأجوب المسكوت عنه في السّماوات الطّباق وأنشد الحرّيّة…. ما همّني إن اغتابتني الغربان السّود فأنا امرأة أعشق بياض الياسمين واليمام وألبس الأمداء فستانا وأشربها رحيقا عذبا كيَدِ الرّبّ الطّاهرة تمرّ على جباه المستضعفين…
وأنت تفكّر بالجريمة ينتابك هدوء عظيم كحكمة اللّغة العجوز وتشعر أنّك ممتدّ بلا نهاية تشكّل وجودك وفق ممكنات متعدّدة… أنت الخانق الرافض، الأبله، العاشق، المقهور، المنعتق، الحر، لذلك تترجّل إلى الحضانة في شارع المدينة الخلفيّ فتصافح النّادل وتنتصر للسّكارى والعاهرات، للذوات المتعبة الصّامتة.. تنتصر لصوت الكؤوس تفارق الحقيقة وتدخل زوّارها ما بين الموت والحياة واليقين والشّكّ لذلك دع عنك الحانة على حالها وأعدم الدّالية….. وأنت تفكّر بالجريمة تحبّ كل من نفرت منهم العامّة… تحبّ المصاب البهاق والطاعون والكوليرا… الجريمة هي قتل ما أضنانا وأفنانا لنحيا بسلام داخلي… الجريمة فكرة عصيّة على التّصنيف… اجمع قواك وغامر… عش التجربة.. ففي الجريمة خلق مبين يبدد خسارتك المتراصّة فتنحرف بما هو انزياح نحو الحياة… ما أعمقها حين تقاتل من أجلها فتقتل أو تُقتَل َستشعر أنّك تخلق للمرّة الأولى وتتشكّل كالأغنيات في التّلال البعيدة لحنا يدغدغ جرحا مثقلا بالأمل يؤسّس الوجود الإنسانيّ.. !