صادق مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل المنعقد بصفاقس على الائحة […]
صادق مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل المنعقد بصفاقس على الائحة العامة التي ضبطت المنظمة الشغيلة من خلالها تصوّرا للخروج من الأزمة.
وفي ما يلي نص اللائحة كاملا:
ينعقد مؤتمرنا العادي أيام 16 و17 و18 فيفري 2022 بمدينة صفاقس تحت شعار “متمسّكون باستقلالية قرارنا، منتصرون لتونس الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية” في سياق تحوّلات كبيرة وأزمة حادّة تبرز فيها الحاجة المؤكّدة ليلعب الاتحاد العام التونسي للشغل دوره الوطني المعتاد. ويتوجّب علينا اليوم أن نقف وقفة تقييمية لواقع البلاد بعد عقد كامل من الزمن غلبت عليه تعثّرات كثيرة وانتكاسات متعدّدة ورغم ذلك يحقّ لنا أن نعتزّ بإنجازات كثيرة حقّقها شعبنا وساهم فيها الاتحاد بمعية المجتمع المدني والقوى الوطنية في وضع أسس المسار الديمقراطي والذي راهنت بعض قوى الردّة على إفشاله ولم تتوان على وضع العقبات في طريقه كما يحقّ لنا أن نفخر بما قدّمته ومازالت تقدّمه منظّمتنا العتيدة في سبيل ترجمة أهداف ثورة الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية.
ويتزامن انعقاد مؤتمرنا هذا في ظرف دولي يتّسم بالغموض وبتصاعد الصراعات خاصّة مع تزايد التخوّفات لدى بلدان العالم من مخاطر تفشّي موجات أخرى من وباء كورونا الذي أصاب ملايين الناس وحصد ملايين الأرواح. ولئن تمكّنت تونس نسبيا من الحدّ من انتشار هذا الوباء عبر الترفيع في نسق التلقيح فإنّ ذلك لا يمكن أن يخفيَ الكلفة الباهظة التي تحمّلتها ولا تزال المجموعة الوطنية وخاصّة الأجراء والفئات الهشّة والمفقّرة بماحصد من آلاف الضحايا في ظلّ فترة من العجز وغياب الإرادة السياسية والاستراتيجيات. كما مثّل هذا الوباء محطّة أخرى من محطات نضال الاتحاد العام التونسي للشغل وتصدّره الصفوف الأمامية لخدمة البلاد فتجنّدت جميع هياكله قطاعيا ومحلّيا ومركزيا لجمع المساعدات المادية والعينية والطبية لتخفيف وطأة الأزمة وهشاشة القطاع الصحّي في البلاد، كما كانت فرصة لإعلاء قيمة المدّ التضامني والعمل التشاركي مع المجتمع المدني وأثبتت التجربة تفاني العمّال والأعوان المختصين في جميع المجالات وكفاءتهم في مواجهة الأزمات رغم ظروف العمل القاسية وأكّدت الحاجة إلى إصلاح القطاع الصحّي العمومي وإنقاذه.
لقد استفحلت الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية طيلة هذا العقد الذي غلب عليه الفشل والفساد فاحتدّ الصراع السياسي وتعطّلت أجهزة الدولة وشُلّت جميع المرافق العامّة والخاصّة نتيجة التجاذبات والتنافر بين رؤوس السلطة وهيمنت على المشهد السياسي الصراعات العقيمة وساد منطق الغنيمة وتحوّل البرلمان إلى حلبة صراع ووكر تحاك داخله الدسائس لنهب مقدرات شعبنا وتحصين المتهرّبين والمهرّبين عبر سنّ التشاريع اللاشعبية واللاوطنية.
كما بقيت ملفّات الاغتيالات السياسية طي النسيان بعد تلاعب العابثين بالقانون واستمرّت عمليات طمس حقيقة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وسائر شهداء المؤسّستين العسكرية والأمنية والشهداء من المواطنين العزّل وتواصلت التغطية على ملفّ تسفير الشباب إلى بؤر التوتّر وغابت الإرادة في تفكيك أسرار عصابات التسفير.
كما احتدمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بارتفاع كلّ المؤشّرات السلبية من تضخّم للمالية العمومية وعجزها وهبوط لقيمة الدينار وتزايد للمديونية ولنسب الفقر وتدهور للمقدرة الشرائية وارتفاع في أعداد العاطلين عن العمل مع استشراء الفساد ونخره لمفاصل الدولة وأغلب القطاعات، أمام عجز الحكومات وعدم الجدية في إيجاد الحلول ومعالجة المشاكل ومجابهة الوباء.
وقد سبق للاتحاد أن نبّه مرارا وتكراراإلى تصاعد الأزمة وحذّر من تسارع وتيرة الانهيار الشامل وطالب بإجراءات عاجلة ثمّ أمام استمرار العجز لم يبق مكتوف الأيدي وتقدّم إلى رئيس الجمهورية بمبادرة الدعوة إلى حوار وطني مطلع شهر نوفمبر 2020 قوبلت بالترحيب من البعض وجابهها البعض الآخر بالتشكيك ووضع العراقيل حتّى انقضى الوقت ولم يعد مجديا تفعيلها خاصّة عندما بلغت الأزمة ذروتها على جميع الأصعدة وأصبح احتدادها ينبئ بتفكّك الدولة وسقوطها ولم يعد هناك من حلّ غير اتخاذ قرارات سياسية جريئة أكّدتها محطّة 25 جويلية فكانت لحظة فارقة ومخرجا عبر سنّ تدابير استثنائية ثمّ تمّ بواسطتها حلّ الحكومة المعطّلة أصلا منذ رفض التحوير الوزاري الذي أنجز في شكل مرور بالقوّة ضدّ إرادة رئيس الدولة وأغلب مكوّنات المجتمع وتمّ تجميد برلمان الصراعات والعطالة وخطاب الكراهية، لتدخل تونس مرحلة سياسية جديدة اعتبرها الاتحاد العام التونسي للشغل فرصة تاريخية لوضع مسار تصحيحي حقيقي وثمّنها معتبرا إيّاها لبِنة أولى تحتاج إلى خطوات أخرى عميقة وطالب بضمانات تؤمّن المسار الديمقراطي وخارطة طريق تحدّد أهداف هذا التحوّل وترسم ملامحه وآليات متابعته وتحدّد آجال انتهاء التدابير الاستثنائية مع الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة.
غير أنّ المتتبّع للشأن السياسي يلاحظ مدى البطء والتردّد في الإعلان عن مواعيد انتهاء هذه المرحلة إلى جانب غياب التشاور والتحاور وقد زاد الارتجال في مقاومة الفساد ومحاسبة الفاسدين الوضع غموضا وضبابية، ممّا أعطى أريحية ودفعا لقوى الجذب إلى الوراء الساعية إلى تأبيد الأزمة للتشكّل والهجوم والاستقواء بالخارج لفرض العودة إلى الخلف واستعادة المجلس المجمّد وافتكاك زمام المبادرة.
الوضع الدولي
يعيش العالم على وقع أزمة اقتصادية خانقة زادتها أزمة كورونا اختناقا ووظّفتها اللوبيات المالية والسياسية العالمية في الاستحواذ على ثروات الشعوب ومقدراتها وذلك عبر ارتهان اقتصاديّاتها وإغراقها بالديون المجحفة. كما اتّسم الوضع الدولي العام بتأجيج الصراعات والحروب في أكثر من منطقة فتنامى الصراع بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية. وعملت هذه القوى واللوبيات العالمية على تأجيج الصراعات الاقليمية وإشعال الحروب والدفع نحو تغذية الصراع الديني والمذهبي واستخدام الإسلام السياسي لزرع الفتنة كما يحدث في العراق واليمن وسوريا وليبيا وآخرها محاولات زرع الفتنة بين الشقيقتين المغرب والجزائر.
إنّ سعي دوائر النهب الدولية المحموم إلى إعادة تقسيم مناطق النفوذ وتشكيل التحالفات الإقليمية الجديدة هدفها الرئيسي إعادة تقسيم العالم بينها والسيطرة على الأسواق وعلى مصادر الثروة داخل البلدان الفقيرة والمفقّرة.
كما عملت هذه القوى على دفع العديد من البلدان العربية والإفريقية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني لإحكام سيطرتها على المنطقة وفكّ عزلة الكيان الصهيوني نقطة ارتكازها الرئيسية في المنطقة وذلك عبر مقايضتها بالمساعدات والقروض والهبات مثل ما وقع مع بعض الدول العربية أو عبر تهديد عروشها وحكّامها بالانقلابات والهبّات المصطنعة.
وتتزامن هذه الأزمة مع سياق دولي متغيّر ازداد تعقيدا بتسارع وتيرة الثورة الرقمية في غياب تشريعات ضامنة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وما رافقها من فقدان لملايين مواطن العمل ومن تأثيرات على مستقبل العمل والعمّال في جميع أنحاء العالم فتفاقمت ظاهرة البطالة وازداد عدد الفقراء بارتفاع وتيرة تفقير الفئات المتوسطة واندثار عديد المهن.
ثم إنّ تنكّر بعض الدول وفي مقدّمتهم الولايات المتّحدة الأمريكية للاتفاقيات الدولية والمعاهدات والمواثيق المتعلّقة بحماية البيئة والمحيط والتي تنصّ على إيجاد الحلول للتغييرات المناخية سيكون له انعكاسات خطيرة جدّا على مستقبل المعمورة وسيعمّق الاختلال بين الدول المهيمنة والدول الفقيرة وسيفرض لصالح الأولى مطلق التحكّم في السياسات الغذائية والصحية والمائية.
على المستوى الإقليمي:
إنّ بوادر الوضع ينبئ بمزيد توتير المنطقة وتأبيد وضع غير مستقرّ يخدم مصالح الأنظمة المتكتّلة في محاور دولية ويؤيّد مساعيها في الاستحواذ على الثروات النّفطية والطاقية والغاز وغيرها من الثروات الطبيعية من خلال افتعال الصراعات الطائفية وتوظيف النّعرات العرقية والقبلية وتدويل الجماعات الإرهابية التي تديرها الأحزاب الدّينية المتطرّفة وتدعّمها ماديا ولوجستيا في إطار برنامج الشرق الأوسط الجديد.
وإنّ أبرز مثال على هذه الصّراعات والحروب وعمليات التدمير الممنهجة ما يحدث من حروب قذرة في اليمن وليبيا وسوريا والعراق والصّومال، ولئن انتصر الجيش العربي السّوري على هذه القوى الامبريالية المتحالفة ضد الشعب السوري، فإنّ جيوب التّنظيمات الإرهابية مازالت تجد دعما كبيرا وغطاء دوليّا للاستمرار في أعمالها التّخريبية بالتزامن مع مواصلة الاحتلال التركي لجزء من الأراضي السورية.
وتشهد المنطقة سباقا محموما في تمويل بعض الجمعيات والمنظّمات الداخلية والأحزاب التي تقوم بمهمة تغذية النّزعات الانفصالية في إطار تجزئة المجزّأ، وهي مخطّطات سياسية بعيدة كلّ البعد عن الخيارات الوطنية للشّعوب وحقوق والأقليّات، أمّا في الجارة ليبيا فإنّ التّدخّل الأجنبي في شؤونها أصبح أمرا واقعا من خلال التّمركز الاستعماري العسكري لا سيّما التّركي منه وتواصل عمليّات نقل الارهابيين والمرتزقة من سوريا ودول أخرى إلى العمق الليبي والعمل على عرقلة أيّ حلّ سلمي ومنها العرقلة المتواصلة للانتخابات فيها.
إنّ تحالف القوى الامبريالية مع الحركة الصّهيونية التّي وجدت في اليمين بمختلف تعبيراته التنظيمية من أحزاب ليبيرالية وأخرى دينية متطرّفة وجمعيات دعوية الوسيط الطيّع لتنفيذ أجنداتها الاستعمارية بأشكالها الجديدة في الشرق الأوسط وهي مستمرّة في سياساتها لتفتيت المنطقة وتحويلها إلى دويلات ضعيفة وفرض التطبيع عليها مع الكيان الصهيوني وفي الوقت نفسه تتواصل السّياسة الاستعمارية التّوسعية والقمعيّة التي يمارسها بعربدة الكيان المحتلّ في فلسطين.
وتفاقمت في الأثناء معضلة الهجرة غير النّظامية التي أصبحت في تنام مستمرّ إذ تحوّلت قوارب الموت العنوان الأبرز خاصّة في منطقة المغرب العربي الكبير، وأضحت سواحل المنطقة قبرا شاسعا لمئات الآلاف من الشّباب والنساء وحتى الأطفال والرّضّع، حالمين بأوهام حياة أفضل بعيدا عن أوطانهم التي نخرتها الأنظمة الفاسدة وخرّبتها الحروب من جهة وفتكت بأمنها التنظيمات الإرهابية المشرفة على عمليات الهجرة غير النظامية وتسفير الشباب إلى بؤر التّوتر والاتّجار بالبشر من جهة أخرى. وتزداد معاناة المنطقة بسبب هجرة الأدمغة والكفاءات والنّخب.
ويقتضي هذا الوضع المتأزّم في المنطقة المغاربية أن نتّخذ من وحدة شعوب المغرب العربي الكبير خيارا استراتيجيّا يضمن حياة كريمة لشعوبها ويقي شبابها من الموت في أعماق البحار ويدفع إلى استقرار الوضع فيها خاصّة الجارة ليبيا ويعزّز حماية دول المنطقة من التّدخل الأجنبي ومخطّطات التّفكيك.
وبالرجوع إلى الوضع على المستوى الوطني فإنّنا، ونحن نشخّص الواقع ونرصد المشاكل، يحتّم علينا دورنا الوطني تقديم الحلول ومن أهمّها:
سياسيا:
تجاوزا للأزمة القائمة وتأسيسا على ما تمّ من تغيير يوم 25 جويلية 2021 وحرصا على وضع خارطة طريق للخروج من الحالة الاستثنائية وبناء مسار تصحيحي حقيقي يقطع مع الفشل والفساد ويعزّز الديمقراطية ويضع شروط الاستقرار ويرسي أسس العدالة الاجتماعية، وتمسّكا بمبدأ رفض التدخّل الأجنبي في الشأن الدّاخلي الوطني وحفاظا على السيادة الوطنية فإنّنا نتبنّى خارطة الطريق الآتية:
• مراجعة النظام السياسي
• تنقيح القانون الانتخابي
• مراجعة قانون الجمعيات والأحزاب
• مراجعة مجلّة الجماعات المحلّية
• مراجعة القوانين المنظّمة للهيئات الدستورية وفي مقدّمتها الهيئة المستقلّة للانتخابات
• تفعيل دور الهيئات الرقابية وإحكام التنسيق بينها وبين كافّة المتدخّلين في العملية الانتخابية ووضع إطار قانوني لذلك
ونؤكّد على أنّ هذه الخطّة لا يمكن لها أن تنجح إلاّ إذا أديرت في إطار من الحوار والتشاركية على قاعدة تحويل 25 جويلية 2021 مسارا تصحيحيا وعدم العودة إلى الحقبة السابقة، ونعتبر الاستشارة الالكترونية غير قادرة في كلّ الأحوال، على أن تكون بديلا عن الحوار والتشارك. كما أنّ تعديل الدستور لا يمكن أن يكون إلاّ نتاج حوار مجتمعي واسع، كما ندعو إلى رفض كلّ أشكال الاستقواء بالأجنبي واعتبار حلّ الأزمة لا يكون إلاّ تونسي-تونسي.
بالتوازي مع كلّ ذلك يجب الحرص على:
إصلاح المنظومة القضائية عبر تسقيف زمني للمجلس الأعلى المؤقّت للقضاء مع ضرورة إشراك الهيئات المعنية في الشأن القضائي من أجل مسار جديد للمجلس الأعلى للقضاء حتّى يؤدّي المرفق القضائي دوره في إحلال العدل وإنفاذ القانون وإنصاف المظلومين وضمان المحاكمات العادلة بكلّ استقلالية.
تعميق البحث والتحقيق في ملفّيْ التسفير والاغتيالات السياسية.
على المستوى الاقتصادي:
قد أسهمت هذه الأزمة في تشكيل وضع اقتصادي كارثي من أبرز سماته تدهور المؤشّرات الاقتصادية إلى أدنى نسبها وتزايد المديونيّة وتغوّل الاقتصاد الموازي الذّي أغرق السّوق بالموادّ المهرّبة وتضاعفت المشاكل بانهيار الدّينار وارتفاع نسب التّضخّم وتفاقم ظاهرة التّهرّب الجبائي والضريبي وتقلّص الاستثمار وتفشّي الفساد وهو ما أدّى إلى تدهور المقدرة الشّرائيّة والتهاب الأسعار وتزايد نسب الفقر والبطالة والتهميش وعليه فإنّنا نطالب:
1. التدقيق في المالية العمومية وديونها
2. حوار وطني حول المنوال التنموي
3. إنقاذ المؤسسات العمومية
4. إصلاح جبائي في إرساء العدالة الجبائية
5. محاربة الاقتصاد الريعي وإدماج الاقتصاد غير المنظّم
6. إصدار الأوامر والمناشير التي تنظّم الاقتصاد التضامني والاجتماعي
7. وضع استراتيجية وطنية للاستثمار العمومي والخاص ومراجعة مجلة الاستثمارات.
8. إصلاح المنظومة البنكية والسياسة النقدية مع ضرورة إيجاد حلّ جذري لأخطر فضيحة مالية المتعلّقة بالبنك الفرنسي التونسي (BFT)
9. رقمنة الإدارة والمؤسّسات
10. وضع استراتيجية وطنية للنهوض بالقطاع الفلاحي والمياه
11. وضع استراتيجية وطنية لإنقاذ البيئة وتطوير الاقتصاد الأخضر والطاقات البديلة
12. فتح ملف الثروات الباطنية ومراجعة عقودها.
13. إصلاح قطاع السياحة
14. مراجعة العقود الجارية الثنائية كلّما اختلّ الميزان التجاري فيها.
على المستوى الاجتماعي
لقد كان لتفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية بالبلاد انعكاسات خطيرة ومباشرة على الوضع الاجتماعي، زادتها تداعيات جائحة كرورنا، وما تبعها من تسريح للعمال وتعميق لمعاناة العائلات المعوزة وأصحاب الاحتياجات الخصوصية، تعقّدا، وصاحبتها نسبة تضخّم مرتفعة وانهيار كبير للدينار وانتشار الاقتصاد الريعي وغياب أي تدخّل اجتماعي ناجع للدّولة وتردى مستوى الخدمات العامّة كالتعليم والصحة والنقل فتفشّت الظواهر الاجتماعية الخطيرة كالرسوب المدرسي والتفكك الأسري والسقوط القيمي وتنامي الجريمة المنظمة وتضاعف العنف ضد المرأة والطفولة وتفشّي ظاهرة المخدرات والهجرة غير النظامية وما انجرّ عنها من اغتيال لطموحات أبنائنا وسلبهم حقهم في الشغل والحرية والكرامة. وفي المقابل نسجّل عجز الحكومات المتعاقبة وعدم جدّيتها في طرح الحلول الجذرية واقتصارها على الحلول الترقيعية كالتّشغيل الهشّ والوعود الزائفة مثبتةً عجزها عن إطلاق حوارات مسؤولة تمكّن من وضع منوال تنموي بديل ومن تنمية الموارد وتفعيل منظومة التكوين والاهتمام بالاقتصاد التضامني والاجتماعي واتخاذ التدابير الضرورية للحفاظ على المقدرة الشرائية وتوفير الخدمات اللائقة لكلّ مواطن وفق معطيات علمية ومؤشّرات ومعايير دولية.
وأمام تواصل الأزمة الوبائية في العالم وفي تونس نؤكّد على ضرورة إصلاح المنظومة الصحّية وتوفير كلّ مستلزمات هذه المعركة ضد الوباء والتجنّد الطبّي تجنّبا لعودة هذا الوباء.
ونؤكّد على ضرورة تفعيل الاتفاقيات والقرارات ذات العلاقة بالمعطّلين عن العمل ورفع المعاناة عنهم وفتح آفاق المستقبل أمامهم والحدّ من البطالة والقطع مع أشكال التشغيل الهشّة. ونطالب بالإسراع بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في جميع مستوياتها وفي مقدّمتها إصلاح الصناديق الاجتماعية وتأمين حياة كريمة للمتقاعدين وتطوير الخدمات المقدّمة للمنخرطين.
على المستوى الثقافي:
إيمانا منّا بأهمّية الثقافة ودورها باعتبارها رافعة أساسيّة لنشر ثقافة الديمقراطية وبناء قيم الجمهورية ومحاربة فكر التطرّف والتعصّب والإرهاب ونشر ثقافة الاعتدال والتّفتّح وتأكيدا على ضرورة نشر الثقافة الوطنية المتجذّرة في أصولها والمنفتحة على ثقافات العالم وسعيا إلى ضمان حقّ الأجيال في الثقافة والفكر وإصرارا على الحفاظ على مكاسب حرية التعبير والإعلام والإبداع ودفاعا عن حقّ الشعب في ثقافة وطنية حرّة مبدعة خلاّقة تقدّمية متحرّرة من القيود بعيدة عن تأثيرات المال السياسي ومحاولات الهيمنة السلطوية، فإنّنا ندعو إلى:
تطبيق بنود الدستور في مجال ضمان حرية التعبير والإبداع والإعلام ومنع القيود عنهما بما يوفّر مناخا لتطوير ثقافة حرّة مبدعة خلاّقة تنسجم مع مبادئ الجمهورية والقيم الإنسانية السامية.
حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين في مهن الفنون والثقافة والإبداع والإعلام.
إحداث اتفاقية مشتركة للإعلام السمعي البصري ومراجعة الاتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة.
إصلاح منظومة الإعلام العمومي وضمان استقلاليته بوصفه مرفقا عاما لا جِهَازا حكوميا.
إعادة النظر في منظومة التراث وإعادة هيكلة مؤسّساته للنهوض به ومراجعة سياسة التصرّف فيه وطريقة استغلاله قصد تثمين المخزون الثقافي الجهوي والوطني وجعله أداة للتنمية الجهويّة المندمجة واعتباره شأنا عموميا غير قابل للخوصصة.
وضع استراتيجيّة وطنيّة شاملة لإصلاح هيكلي لمختلف القطاعات الثقافيّة على المدى البعيد والمتوسّط والقريب.
إحداث صندوق دعم للإبداع في كلّ المجالات والتفكير في آليات وسبل تطوير موارده