أن المتتبع النزيه والمحايد للمشهد العام ببلادنا ، يخلص به […]
أن المتتبع النزيه والمحايد للمشهد العام ببلادنا ، يخلص به القول من خلال قراءاته المتلاحقة للوضع السياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي كذلك.. الى جملة من الاستنتاجات الصارخة ، لعل ابرزها :
– رداءة المشهد السياسي بكل طيفه يمينا ، وسطا ، ويسارا..بل استحالة تأسيس منظومة سياسية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية بلادنا التاريخية وبصمتها الحضارية ،وحساسية تموقعها الاقليمي والجغرافي ، وتركيبة مجتمعها الذي يكره الذهاب الى التطرف بكل مسمياته ، ويأبَى
المغالاة في تدبير نمط عيشه وتحقيق الحد الادنى من متطلباته الحياتية المتنوعة…
ان المجتمع التونسي ذكي جدا ،قنوع وسهل الانقياد ، ولا يطلب الماء الزلال من بحر العرب..ولا عِنَبا في غير اوقات العِنَب ..
.. بل حَكَمه ” بورقيبة ” العظيم بزبدة امريكا التي لا تباع ولا تُشترى.. و ألْبَس طبقته الفقيرة “رُوبافيكا”.. اوروبا ، وعلّمه بفضل متعاقدي فرنسا ، وعالجه من شتى الامراض والاوبئة بادوية وتلاقيح اهل الفضل غربا وشرقا ، وحثّ المراة على الخروج من قِباب الجهل والتسلط والعبودية وعادات ومواقد البخور في خِيام الظلام ،، والمساهمة في تاثيث اجيال نظيفة فكرا وسلوكا.. قدوة..وتواضعا..
وحين ادرك شعبنا ان القيادة السياسية صادقة..وان امكانات البلاد – وقتها – لا تسمح بالمطلبية المجحفة..وان اولويات البلاد والعباد تتطلب الصبر والتضحية..انخرط التونسيون جميعا في عملية البناء والتاسيس بأريحية وحزم وطمأنينة..
وهي لعمري.. طريقة سهلة ممتنعة في نفس الوقت..كان اهتدى اليها الزعيم الراحل ” الحبيب بورقيبة مبكرا”..بفضل موهبته المتيقظة المتوثبة ، وحنكته السياسية التي اخذت من كل شيء بطرف..وزاد عليها باسلوبه المباشر ، واختلاطه بالناس من بنزرت الى بنقردان..بلغة سهلة وساحرة احيانا..نصا وروحا..دون الافراط في الكذب والحلم ، وصناعة الوهم..وهي كلها من صفات القائد الملهم الفذ التي افتقدتها تونس على الصعيد السياسي خاصة منذ رحيله..وكدنا نعوضها في الشهيد ” شكري بلعيد”..الذين تفطنوا اليه سريعا..” اعداء الوطن، ومرتزقة اسبارطه”.. فاغتالوه جهارا ..لانهم احسوا ان ذاك الرجل هو من طينة الزعماء الكبار..و لعله وريث عبقرية بورقيبة – يرحمها الله –
– ثم ان النسيج الاجتماعي الان.. وباختصار شديد ، لم يعد يوجد فيه ما يُرقّع.. تعرت الابدان ، وذلّت الناس ، وبانت العورات..وهُتك العرض ، وجاعت البطون.. وهل توجد كرامة اخرى للانسان..بعد كل هذا السلخ.. والمسخ ..؟!
– اما عن البقية الباقية في منظومة خرابنا ، من الجانب التربوي ، والاقتصادي ؛ والثقافي..فانها لا تحتاج الى محلل أو استراتيجي لامع ومتيقظ ليفضح عسس الدار.. ويفسر لبقايا القطيع خيبهم وبلاهتهم ، وما فعلته رماح ” بَنِي زِيرِي” بهم ..فهي كلها رمال وثمار فاسدة وروائح كريهة من بابها الى محرابها..
لست من الذين يدعون الى هدم سقف الدار على الجميع، ولست من اصحاب نظرية البلاشفة و” جيفارا” و ” ميكيافلي “… وحتى نظريات جحا الساخرة المضحكة المبكية .. غير اني ارى ان الامور في بلادنا بلغت التّراقي..وارى ايضا، ان زحفا ثانيا قريبا على الابواب ..والذي يرى غير ذلك ارجوه ان يدركني بطمأنية سيدنا يونس وهو في كِرْش الحوت..!!