بقدر ضئيل من التأمل سنكتشف أن الإشكالية الدائمة للثقافة ليست […]
بقدر ضئيل من التأمل سنكتشف أن الإشكالية الدائمة للثقافة ليست في ندرتها، ولكن في ماهيتها وتوجهاتها. فمما لا شك فيه أن هتلر، على سبيل المثال، كان شخصية مثقفة وربما أكثر من اللازم، وأغلبية أقطاب التشدد اليوم يحملون قدراً ليس بالهين من المعرفة والإدراك يجبرنا على أن نضعهم في زمرة المثقفين، بل يتمتعون إضافة إلى ذلك بقدرة على الخطابة التي تمس مفرداتها مشاعر الجماهير، وإلا ما التفسير المنطقي لتصاعد التطرف في كل أنحاء العالم سواء أكان دينياً أم سياسياً؟
في المقابل، كان غاندي ومانديلا من السياسيين الذين تمكنت ثقافتهم من حمايتهم من الوقوع في براثن التعصب والكراهية. وبهذه المقاييس جميعنا مثقف بدرجات، وكل منا يحمل ثقافته الخاصة بدءاً من السطحية التي تكتفي بالقشور، نهاية بمن يمتلك الرؤية والقدرة على التمييز، بمن في ذلك من يعيشون فيما يشبه العزلة عن قضايا مجتمعهم ويكتفون بما لديهم من ثقافة الاستهلاك.
وما بين ثقافة تصنع الحروب، وأخرى تدعو إلى التسامح، وثالثة تقزمنا إلى الحد الذي نكون فيه لا شيء، من الطبيعي أن نتطلع إلى منتج قادر على إنقاذنا من التيه الجاثم فوق صدورنا. والفارق هائل بين البحث عن نظرة ورؤية جديدة، وبين اتهام الأغلبية بأنهم غير مثقفين، لأننا هكذا قد وقعنا في فخ من لا ينظر إلى العالم بمثل نظرتي ولا يمتلك رؤيتي فهو ضدي. عواطف علي الجابري