بقلم: حافظ الغريبي كانت مقدمة ابن خلدون استثنائية بأتم معنى […]
بقلم: حافظ الغريبي
كانت مقدمة ابن خلدون استثنائية بأتم معنى الكلمة فقد أسست منذ 7 قرون لعلم الاجتماع ولا تزال بما تتميّز به من عمق تحليل وما تتضمنه من صور تنطبق على واقعنا مرجعا أساسيا لعلماء الاجتماع والتاريخ وحتى رجال السياسة.
وقد تحدث ابن خلدون عن الدولة وكأنه يصف ما يحدث الآن ومن ضمن ما قال هو أنه إذا خشي الناس أن يسلب الظلم حقوقهم أحبّوا العدل وتغنّوا بفضائله، فإذا أمنوا وكانت لهم القوّة التي يظلمون بها تركوا العدل.
وتحدّث عن الجباية فقال أنها تكون في أول الدولة “قليلة الوزائع كثيرة الجملة، وفي آخر الدولة كثيرة الوزائع قليلة الجملة..
بما معنى انه إذا قلّ توزيع الهبات والأجور الوهمية والوظائف على الرعايا، نشطوا للعمل ورغبوا فيه، فيكثر الاعتمار ويتزايد، لأن الأداءات قليلة، وإذا كثر الاعتمار كثرت الوظائف والوزائع، فكثرت الجباية التي هي جملتها.
كما قال أنه إذا تأذّن الله بانقراض الملك من أمّة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طريقها، وهذا ما حدث في الأندلس وأدّى فيما أدّى إلى ضياعه.
نحن اليوم نعيش هذه المرحلة لكن هل ترى يتعظ البعض مما يحصل وهل يقرؤون لذلك حسابا؟ هل اطلعوا على هذه المقدمة وحاولوا فهم كنهها؟
في وقت غير بعيد تزلزل الرأي العام لظهور مؤخرة نرمين صفر في فيديو كانت تبثه على المباشر فصارت حديث القاصي والداني، كان ذلك في نفس الوقت التي كانت فيه حكومة المشيشي الثانية، بعد المصادقة عليها بأيام قليلة، معلّقة بين السماء والأرض وكان رئيس الحكومة يعدّ العدة لإقالة وزراء قيس سعيّد بعد أن أفتى رئيس الدولة بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية، وكان هذا الأخير يعدّ بدوره العدة ليوم الـ 25 من جويلية من خلال ما أفصح عنه بأن منصات الصواريخ جاهزة للإطلاق.
لم يتفطن التونسيون لما سيحدث ولم يتنبؤوا به لكنهم نجحوا في رصد مؤخرة نرمين التي ظهرت في أعشار ثانية.
لم يقرؤوا ما كتبه العلامة ابن خلدون عن سقوط الدولة لمّا قال انه عندما تنهار الدول يكثر المنجّمون والأفّاكون والمتفيهقون والانتهازيون وتعمّ الإشاعة وتطول المناظرات وتقصر البصيرة ويتشوّش الفكر..
كنا نعيش كل هذا ونحن لا ندري.. فما أبعدنا عن المقدمة وما أقربنا للمؤخرة.
حافظ الغريبي