أحالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على أنظار وكيل الجمهورية لدى […]
أحالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على أنظار وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس، ملف التّقصّي في شبهات فساد تتعلّق بقناة نسمة الخاصة وذلك طبقا للفصل 13 من المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011، المؤرخ في 14 نوفمبر 2011 والمتعلّق بمكافحة الفساد وكذلك الفصل 2 من القانون الأساسي عدد 10 لسنة 2017، المؤرّخ في 07 مارس 2017 والمتعلّق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين.
ويُشار إلى أنّ منطلق البحث والتحرّي في ملف الحال، كان بمقتضى إحالة تقدّمت بها الهيئة العليا للاتصال السّمعي والبصري (الهايكا)، للإبلاغ عن تجاوزات وشبهات مخالفة القوانين والتراتيب الجاري بها العمل والمنسوبة لقناة نسمة في شخص ممثلها القانوني ووكيلها السّابق. ومنها:
– مواصلة استغلال قناة تلفزية خاصّة رغم انتهاء مدّة التّرخيص المسند إليها بموجب اتفاقية مبرمة بين وكيلها والدّولة.
– استمرار القناة في البث دون إجازة وعدم تسوية الوضعية المذكورة في الآجال القانونية.
– رفض إدارة القناة التّوقف عن البث رغم صدور قرار من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري يقضي بإيقاف إجراءات التّسوية وذلك بوصفها الجهة الوحيدة المختصّة قانونا بمنح إجازات إحداث واستغلال منشآت الاتصال السمعي والبصري وفقا للمرسوم عدد 116 لسنة 2011، المؤرّخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلّق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري. وهو ما يُعدّ مخالفة من المخالفات المتعلّقة بالسلطة العامة، المنصوص عليها بالفصل 315 من المجلة الجزائية والمتعلق بواجب الإذعان لما أمرت به القوانين والقرارات الصادرة عن الجهات المخولة قانونا،
– استعمال تجهيزات ومعدّات البث خلال فترة حجزها من طرف الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.
– توظيف القناة للدّعاية الحزبية لفائدة أحد المترشحين في الانتخابات التشريعية والرّئاسية 2019.
– جمع التّبرعات عن طريق نشاط جمعية خيرية واستعمال المنابر الإعلامية بالقناة للدعوة لذلك.
وأمام جدّية الموضوع وأهمية الشّبهات المثارة، باشرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كل التحرّيات الممكنة في شأنها ومنها مكاتبة إدارة القناة التّلفزية الخاصّة موضوع التّتبع في ثلاث مناسبات. ليتضح لاحقا من خلال أعمال التحري المنجزة ودراسة الوثائق وفحص المؤيدات المظروفة والتّقاطعات التي قامت بها الهيئة بالاعتماد على المعطيات والبيانات الأخرى المتوفرة لديها وجود قرائن متظافرة وجدّية حول الشّبهات التّالية:
1 – شبهة مخالفة القوانين والتراتيب المنطبقة
تبيّن أنّ الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري، كانت أصدرت وفي إطار ممارسة مهامها التي حدّدها المرسوم عدد 116 لسنة 2011، بلاغا في شهر أكتوبر 2014، يتضمّن دعوة المؤسّسات الإعلامية المعنية بتسوية وضعياتها القانونية للحصول على الإجازة إلى تقديم ملفاتها قبل تاريخ 13 أكتوبر 2014.
كما تأكّد من مظروفات الملف أنّ الهيئة المذكورة، قد تولت مراسلة “القناة التلفزية الخاصّة” موضوع التحري بتاريخ 20 جانفي 2015، لطلب استكمال الوثائق المستوجبة لتّسوية وضعيتها القانونية ومنها ما يتعلّق بتغيير شكلها القانوني من “شركة ذات مسؤولية محدودة” إلى “شركة خفية الاسم” وكذلك الإمضاء على القوائم المالية والتعريف بالإمضاء بالنسبة للالتزامات. كما قامت الهيئة بتاريخ 08/12/2016 بإعادة مكاتبة الشركة (القناة التلفزية الخاصّة) قصد الإدلاء بما يُفيد استقالة وكيلها وبيان مصادر تمويلها. إلاّ أنّ إدارة الشّركة (القناة) لم تُدل بالوثائق المطلوبة ولم تقم بتسوية وضعيتها كيفما يقتضيه القانُون.
وفي الأثناء، عمدت إدارة القناة إلى بث جزء من برامجها على تردّدات “الآف آم” المخصّصة لإحدى الإذاعات الخاصّة، في مخالفة صريحة لمقتضيات كرّاس الشروط وللأحكام الواردة بالمرسوم المذكور عدد 116 لسنة 2011، التّي تُحجّر البث دون الحصول على إجازة قانونية.
وبتاريخ 06/04/2017، وجهت الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري تنبيها إلى القناة بضرورة تقديم الوثائق المطلوبة للتسوية، إلاّ أنّ هذه الأخيرة لم تستجب مجدّدا.
وبتاريخ 11/08/2017، وجهت الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري إلى إدارة القناة التلفزية الخاصة “إعلاما بمخالفة” وتولّت نشره بتاريخ 22/08/2017. إلاّ أن إدارة القناة ظلت على موقفها الرّافض لتسوية وضعيتها القانونية ممّا توجّب معه إصدار الهيئة لقرار بتاريخ 13/07/2018 يقضي بإيقاف إجراءات التّسوية في حقها من أجل عدم القيام بإجراءات تغيير الشكل القانوني للشركة المستغلّة للقناة. وبصدور قرار إيقاف إجراءات التسوية المذكور، أصبحت الشركة في وضعية إستغلال لقناة خاصة خارج الأطر القانونية. سيما وأنه تمّ بتاريخ 28/09/2018 معاينة إستمرار البث دون إجازة رغم التنبيه عليها سابقا وإعلامها بالمخالفة.
وبتعميق البحث، ثبت للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من جهة ثانية، أنّ الشركة المستغلّة للقناة التلفزية الخاصّة موضوع التتبع، قد قامت بالطعن أمام المحكمة الإدارية في قرار الهيئة العليا المستقلّة للإتصال السّمعي والبصري المتعلّق بإجراءات التسوية الصّادر بتاريخ 13/07/2018 وكذلك في القرار المتعلّق بدعوتها للتّوقف الفوري عن البث الصادر بتاريخ 18/06/2019. إلاّ أنّها لم تُقدّم ما يفيد صدور قرارات قضائية في إيقاف تنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئة العليا المستقلّة للإتصال السّمعي والبصري المطعون فيها بالإلغاء. وهو ما يُحيل على شبهة مخالفة القوانين والتراتيب المنطبقة من جانب القناة وذلك من خلال مواصلتها للبث دون إجازة قانونية ورفض تسوية وضعيتها رغم التّنبيه عليها من قبل الهيكل المختص وكذلك الخطايا المالية التي سُلّطت عليها جراء مخالفة القانون.
2- شبهة عدم الامتثال للقرارات الصادرة ممن له النّظر
ثبت وأنّ القناة التلفزية الخاصّة موضوع التحرّي، قد واصلت البث خارج إطار القانون، رغم قرار التّوقف الفوري عن البث الصّادر ضدّها عن الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري، بوصفها الجهة الوحيدة المختصّة قانونا بمنح إجازات إحداث واستغلال منشآت الاتصال السمعي والبصري وفقا للمرسوم عدد 116 لسنة 2011، المؤرّخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلّق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري. وهو ما يُعدّ مخالفة من المخالفات المتعلّقة بالسلطة العامة، المنصوص عليها بالفصل 315 من المجلة الجزائية والمتعلق بواجب الإذعان لما أمرت به القوانين والقرارات الصادرة عن الجهات المخولة قانونا.
3- شبهة جمع تبرعات على غير الصيغ القانونية وشبهة الدعاية الحزبية السياسية
ثبت أنّ الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري وفي إطار ممارسة مهامها، كانت وجّهت بتاريخ 10/10/2017 تنبيها إلى الشّركة في علاقة بأحد البرامج ذات الطّابع الاجتماعي الذي يتم بثّهُ يوميا على القناة المعنية طيلة شهر رمضان وذلك على خلفية استغلال البرنامج من طرف “شخصية سياسية” في الدعوة المباشرة والعلانية للتبرّع لفائدة جمعية خيرية بعينها وتصريحه بتلقي تبرعات ذات قيمة مالية هامة، علاوة على الدّعاية والتسويق لصورته. وقد تضمّن التنبيه الدعوة إلى سحب حلقات البرنامج من الموقع الإلكتروني للقناة ومن صفحات التّواصل الاجتماعي التّابعة لها وبعدم إعادة بثّها.
وأمام رفض الشركة الإذعان للتنبيه الموجه إليها، أصدرت الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري بتاريخ 25/12/2017 قرارا يقضي بإيقاف بث البرنامج موضوع المتابعة. كما أصدرت وبتاريخ 17/01/2018 قرارا ثان يقضي بتسليط عقوبة مالية هامّة على الشركة من أجل رفض الامتثال لقرار إيقاف بث البرنامج، ثمّ قرار ثالث بتاريخ 20/06/2018 يقضي باعتبار القناة في حالة عود وتسليط عقوبة مالية عليها.
كما تأكّد أيضا وأنّ الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السّمعي والبصري، قد أصدرت منذ 05/09/2019، عددا من القرارات القاضية بتخطئة القناة التلفزية الخاصّة من أجل الدّعاية الحزبية والإشهار السياسي لفائدة أحد المترشحين للانتخابات الرّئاسية 2019 ولحزب سياسي محدّد.
وهو ما عزّز من جدّية القرائن وتظافرها على وجود شبهات في توظيف القناة التلفزية الخاصّة محل التحرّي لاستخلاص منفعة تتمثل في الحصول والدعوة للحصول على تبرعات لفائدة جمعية لها ارتباط بنشاطها وبصفة القائمين عليها، إلى جانب استغلال القناة في الدّعاية الحزبية السياسية لفائدة أحد المالكين لأسهم بالشركة ولفائدة حزب سياسي معيّن ورفض الامتثال لما أمرت به القوانين وللقرارات الصادرة عن الجهات المخولة قانونا.