في فيفري الماضي رحل العالم المصري أحمد عبد القادر في […]
في فيفري الماضي رحل العالم المصري أحمد عبد القادر في صمت بعد إصابته بـ “كورونا” خلال زيارته السنوية لمصر، رحل دون أن تحتفي به مصر أو تكرمه، ودون أن يعرف أحد بإنجازاته.
عمل الراحل في كبرى الشركات العالمية مثل غوغل وفايسبوك ومايكروسوفت وغيرها كمبتكر وعالم في مجال الذكاء الصناعي، وأنجز أكثر من 40 براءة اختراع في مجال الذكاء الصناعي.
ومع أحمد عبد القادر عمل مصري آخر معه ويدعى أحمد جاب الله سوياً في غوغل وفايسبوك ونشأت بينهما صداقة وحققا العديد من الإنجازات، مات أحمد عبد القادر واختار أحمد جاب الله أن يكون الموت شغله الشاغل.. ترك عمله في غوغل وآدوبي وفايسبوك سيليكون فالي بأمريكا وعاد إلى مصر ليكون “حانوتي مودرن” ويؤسس شركة Sokna لتنظيم الجنازات كأول شركة من نوعها في مصر؟! فما هي قصته؟!
بوادر ريادة في الأعمال
ولد أحمد جاب الله في 1982 بالإسكندرية وظهرت بوادر ريادة الأعمال على أحمد قبل أن يُكمل العاشرة من عمره، وقتها كان يؤجر حمام المنزل لأسرته بمقابل رمزي مقابل قيامه بتنظيفه باستمرار، وعندما كان في الخامسة عشرة من عمره، ذهب ليقدم على وظيفة مسوق عقاري، وعلم والده بالحكاية من أحد مرضاه فغضب.
كان مستوى أحمد في المرحلة الابتدائية والإعدادية ضعيفا، وفي الثانوية العامة تبدل الأمر خاصة بعدما تفاوض مع أسرته على منحه أموالاً مقابل المذاكرة، جمع من هذا التفاوض 7 آلاف جنيه قضى بها رحلة بأمريكا بعد نجاحه في الثانوية العامة ودخوله كلية الطب فقط لتلبية رغبة والديه.
كان الطفل العنيد شغوفا برياضة الفروسية، ترك كل الألعاب من أجلها، فأصبح أصغر فارس في نادي سبورتينغ، وحصل على بطولات عديدة على مستوى جمهورية مصر، ومن كثرة حبه للفروسية اشترى والداه له حصاناً عربياً أسماه “بندق”. ثم مارس رياضة الـ “بولو” واحترفها.
بعد التخرج من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، هاجر أحمد إلى أمريكا، وأقام مع عمه في البداية، وحاول استغلال مواهبه لتعليم جيران عمه الفروسية، كما عمل في إعداد السندوتشات. كما حاول “جاب الله” استغلال إجادته للغة الفرنسية، فعمل مدرسا في أكاديمية تقدم برامج تعليمية بعد اليوم الدراسي أو خلال الإجازة الصيفية.
تلقى أحمد جاب الله دعوة من رانيا هادي ابنة صديقة والدته لزيارة شركة “غوغل” التي كانت تعمل بها، وهي من أقدم الموظفين العرب في الشركة، وتعمل حاليا في شركة هاواوي. عند وصوله وجد ملاعب وحمامات سباحة، ووجبات مجانية، فقرر أنه لن يعمل إلا في غوغل التي كان يسخر منها في البداية ويقول أنها مجرد صفحة بيضاء عليها لوغو!
تطوير المحتوى العربي لغوغل
انضم أحمد إلى غوغل في فيفري 2006، وبعد بضعة أشهر وخلال الاجتماع الأسبوعي للشركة الذي كان يعقد كل يوم جمعة حاول جذب الانتباه له، فسخر من حذاء “سيرغي برين” أحد مؤسسي غوغل، ثم اتجه بحديثه إلى إيريك شميت، رئيس غوغل في ذلك الوقت وقيادات الشركة.
قال لهم أنا واحد من ثلاثة في الشركة يتحدثون العربية، وهناك 300 مليون عربي مثلي، والبحث باللغة العربية غير جيد حتى الآن، وأنا لو مكانكم، المفروض تستغلوني في تطوير المحتوى العربي بدلاً من تصليح الأجهزة الذي لا أجيده”! ابتسم شميت، وأرسله إلى “أميت سينغال” رئيس قسم البحث في غوغل آنذاك.
عمل “جاب الله” على تطوير البحث باللغة العربية مثل خاصية “هل تقصد” عند البحث، وتصنيف النتائج حسب المنطقة، وغيرها من الخواص. ثم حصل على جائزة Google Founders’ Award، وهي جائزة خاصة تقدم من مؤسسي غوغل للإنجاز الاستثنائي.
منحته تلك الجائزة ثقة كبيرة في نفسه، وواصل انجازاته واهتمت به الشركة بشكل كبير، وأشرف على مشروع “knowl” والتقى رؤساء الجامعات في مصر والسعودية.
يابانية آمنت بقدراته
بعد نجاحات “جاب الله” في غوغل لمدة زادت عن 4 سنوات، تركها وذهب ليعمل في Adobe في مارس 2010، لنفس الأهداف الخاصة باللغة العربية واللغات التي تكتب من اليمين إلى اليسار لتطوير منتجات Photoshop وIllustrator وInDesign وAcrobat ومنتجات Creative Suite الأخرى ولا يزال اسمه موجودا على منتج CS5.
خلال عمله في Adobe تعرف على مديرته Priscilla Knoble، وهي أمريكية من أصول يابانية ويعتبرها “جاب الله” من أكثر الشخصيات التي أثرت في حياته، فيعترف أنه ساعدته على تطوير نفسه، وكانت تهتم به كإنسان وليس كموظف، وآمنت به وبقدراته، وكانت تخبره أنها في يوم من الأيام ستعمل معه.
من ضمن الشخصيات التي أثرت في حياة “جاب الله”، كان العالم المصري أحمد زويل، فحاول التواصل معه من خلال مساعدته لكنه فشل، فكانت تتحجج له كل مرة ولا تمنحه موعداً.
قاد الشاب، بشخصيته العنيدة التي لا تيأس، سيارته لمدة ساعتين حتى وصل إلى مكتب زويل، وطرق الباب ودخل!
حكى “جاب الله” له عن فشله في الحصول على موعد، وإصراره على لقائه، وقام بتعريفه بنفسه، وحكى له عن والده الذي تعود جذوره إلى مدينة دسوق مسقط رأس زويل الذي استقبله بحفاوة وأطلعه على بعض الصور الشخصية والشهادات.
في جويلية 2014، ترك “جاب الله” العمل في Adobe وانتقل إلى فيس بوك، وعمل مع مارك زوكربيرغ على التوسع بالخارج وبخاصة في اليابان، ثم عمل على مساعدة 1.5 مليار شخص يستخدمون فايسبوك في العثور على أصدقائهم واكتشاف الأحداث الرائعة والتواصل مع الشركات والمجموعات؛ إضافة إلى جودة البحث والترتيب وتحسين البحث عن اللغات الصعبة وزيادة البحث على فيس بوك لأكثر من 2 مليار عملية بحث يوميًا.
شركة لدفن الموتى
16 عاماً قضاها أحمد جاب الله في أمريكا وتحديدا في سان فرانسيسكو، اقتحم خلالها مجالا آخر غير التكنولوجيا وهو الاستثمار العقاري، فكان يشتري منازل متهالكة في مناطق مختلفة ويعيد ترميمها ثم يقوم بتأجيرها، خلال تلك الفترة تعرف على “هيرب” وكان يعمل سمسار عقارات، ونشأت صداقة بينهما، ثم مات “هيرب” فجأة وتسببت وفاته بصدمة لأحمد واضطر للمشاركة في جنازته بعد مقاطعته الجنائز لمدة 10 سنوات إثر وفاة والد صديقه عام 2005.
هنا بدأ تفكير أحمد في تأسيس شركة SOKNA لتنظيم الجنازات ودرس كل ما يخصها في مصر وباقي الدول كما درس تعامل الديانات والمذاهب المختلفة مع الجنائز.
ومنذ إطلاق الشركة في مصر، حققت نجاحاً وانتشاراً كبيراً وتتمثل خدماتها في إنهاء تصاريح الدفن والإجراءات القانونية وتجهيز الجثمان وإعداد المقابر وخدمات النقل وحجز قاعات العزاء ونشر النعي وتوزيع الصدقة الجارية والهدايا التذكارية وإعادة الجثمان من الخارج.