رأي: الحوار التلفزي الذي أجراه الصحفي بيرس مورغان مع الإعلامي الكوميدي باسم يوسف المنشور هذه الأيام على "اليوتوب" وشاهده الملايين من الناس في الشرق والغرب تم فيه بأسلوب ساخر متميز جدا فضح السياسة الإسرائيلية وممارساتها في فلسطين
الحوار التلفزي الذي أجراه الصحفي بيرس مورغان مع الإعلامي الكوميدي باسم يوسف المنشور هذه الأيام على “اليوتوب” وشاهده الملايين من الناس في الشرق والغرب تم فيه بأسلوب ساخر متميز جدا فضح السياسة الإسرائيلية وممارساتها في فلسطين.. وهو حوار بنفس الايجابية التي تميز بها الحوار على قناة فرنسا 24 مع ماجد بمية نائب ممثل فلسطين لدى الأمم المتحدة، و كذلك الحوار على القناة الانكليزية مع حسام زملوط السفير الفلسطيني السابق في أمريكا، وأيضا الحوار على القناة تف5 مع ميشال سيبوني نائبة رئيس الاتحاد اليهودي الفرنسي من اجل السلام. وتعتبر هذه الحوارات من أهم الأسلحة التي تخشاها الصهيونية ومناصروها في الغرب لأنه يضرب في الصميم أسس الدعاية الصهيونية ويقاومها بنفس السلاح. وقد رأيت من المفيد أن أذكر بأهمية هذه الدعاية في تاريخ نشأة إسرائيل وتوسعها وذلك من خلال العودة إلى المقدمة التي وضعتها لرسالة ختم دروسي بمعهد الصحافة سنة 1977 والتي جاء فيها ما يلي.
” في تقرير سري كتبه كامبل بينرمان سنة 1902 قال فيه عن الشرق العربي: “إن هناك قوما يسيطرون على ارض واسعة تزخر بالخيرات الظاهرة والمغمورة وتسيطر على ملتقى طرق العالم… وهي موطن الحضارات الإنسانية والأديان، ويجمع هؤلاء القوم ديانة ولغة وتاريخ واحد وآمال واحدة… وليس هناك أي حاجز طبيعي يعزل القوم عن الاتصال ببعضهم البعض ولو حدث واتحدت هذه الأمة في دولة واحدة في يوم من الأيام لتحكمت في مصير العالم ولعزلت أوروبا عنه …ولذلك يجب زرع جسم غريب في قلب هذه الأمة يكون عازلا من التقاء جناحيها ويشتت قواها في حروب مستمرة ورأس جسر ينفذ إليه الغرب لتحقيق مطامعه…” ولم يمض سوى خمسة عشر عاما على هذا التقرير حتى تحقق ذلك الحلم بزرع جسم إسرائيل في البلاد العربية عند إصدار “وعد بلفور” سنة 1917 وهو منعرج حاسم في تاريخ الاستعمار البريطاني والصهيوني، كما يعتبر هدية منحها البريطانيون لليهود للخدمات التي سيقدمها هؤلاء لأولئك، وقد كتبت في ذلك الصحيفة البريطانية (سونداي كورنيش) تقول: “لا يوجد جنس آخر في العالم كله يستطيع أن يقوم بهذه الخدمات لنا غير اليهود أنفسهم ولدينا في الحركة الصهيونية قوة الحركة التي ستجعل امتداد الإمبراطورية البريطانية إلى فلسطين مصدر قوة.”
وبالطبع دخلت إسرائيل المنطقة العربية وتسرب النفوذ الأوروبي إليها بفضل خدمات الدعاية والنشاط الصهيوني وهو ما كتبته الصحيفة اليهودية (جوريسلام بوست) في أول افتتاحيتها: ” إن الصحيفة سوف تعمل على تدعيم النفوذ الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وتأييد سياسات الانتداب في المنطقة، كما سيعمل مراسلوها في البلاد العربية على إظهار عدم جدوى الوحدة العربية والتركيز باستمرار على تلك الجوانب التي لا تعكس مزايا الوحدة العربية”. وفي نفس هذا الفترة التي تلت إصدار تصريح بلفور كتبت صحيفة صهيونية بتونس في أول عدد لها : “إن الأمة الفرنسية التي خلقت حقوق الإنسان لا يمكن إلا أن تكون مشجعة لنا لتحقيق مطالبنا الشرعية في فلسطين وهو ما بسهل علينا رفع صوتنا عاليا، صوتا يهوديا صهيونيا في هذه البلاد”.
وتعددت هذه الأصوات في أقطار العالم وكانت الدعامة التي ارتكزت عليها الدعاية الصهيونية لإثبات ما تزعمه أمس واليوم من “حقوق يهودية في فلسطين مكتسبة عبر الممارسة التاريخية”. ولو القينا نظرة فاحصة على التحرك الصهيوني العالمي منذ سنة 1897 لاتضح لنا بصورة قطعية أن الصهاينة لم ينتزعوا فلسطين بحدّ السلاح بقدر ما انتزعوها بالكلمة، وأنهم لم يستعملوا السلاح إلا بعد أن هيئوا الرأي العام العالمي لذلك وأقنعوه: أولا: بـ “حقهم التاريخي” المزعوم وبوجوب استرجاع هذا الحق، وثانيا: بالمصالح المشتركة التي سوف تكون للطرفين من وراء إنشاء دولة إسرائيلية في قلب الأمة العربية، وثالثا: بوجوب استحسان وتدعيم ما كانوا يتأهبون للقيام به في فلسطين وفرضه بقوة الحديد والنار.”
ومعنى ذلك أنه ما كان لدولة إسرائيل أن تنشأ ولا أن تبقى ولا أن يدعم جانبها فتعتدي وتتوسع وتتحدى لو لم يقف من ورائها يهود العالم من ورائهم الدول الغربية الكبرى والرأي العام العالمي . من هنا تبرز مدى أهمية الدعاية الصهيونية التي شكلت الدعامة الأساسية للقيام بأكبر عملية تزييف في التاريخ البشري. ومن هنا تبرز قيمة الدعاية المضادة التي يعتبر حوار باسم يوسف وغيره من الحوارات الذكية والفاعلة في القنوات الغربية من أهم الأسلحة التي يمكن توظيفها لدعم هذه القضية العادلة وخلق التوازن المنشود لإدراك عدالتها من قبل الرأي العام الغربي وإمكانية انحيازه لفائدتها ضد المغتصب المحتل.
بقلم علي الجليتي
كامبل بنرمان (Sir H.Compbell Bannerman) تولى رئاسة وزراء بريطانيا بين 1905 و1908 واشتهر اسمه بالخصوص بمناسبة المؤتمر الذي انعقد في لندن بدعوة سرية من حزب المحافظين ومشاركة كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن واختتم المؤتمر سنة 1907 بوثيقة سرية سموها “وثيقة كامبل” نسبة إلى كامبل بنرمان.
“آفاق عربية” عدد 12، بغداد 1976 ص.2
كامل محمود خلة – “فلسطين والانتداب البريطاني”، سلسلة كتب فلسطينية، بيروت 1974 ص.31
الصوت اليهودي- عدد 1 تونس ، 26 مارس 1920
حسين التريكي- محاضرة “بالكلمة قبل السيف أقام اليهود إسرائيل”، مؤتمر الأدباء والشعراء العرب ، تونس 18-24 مارس 1973