لست متفائلا ، ولا حتى بالمتشائل على حد عبارة الروائي […]
لست متفائلا ، ولا حتى بالمتشائل على حد عبارة الروائي الكبير ” اميل حبيبي”.
ثم اقولها من الاخر : انا يائس مما يجري في بلدي ، وما جرى من عبث وفوضى ، وتخريب وهدم لمؤسسات الدولة ومنظومتها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية وحتى الاخلاقية من طرف قطعان تربصت بوطننا الى غاية حدوث تلك المؤامرة الربيعية التي دسّوا فيها للعامة والدهماء السم في دسم شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية ، والتي لم يكن ينتظرها احد ، ثم ارسلوها في مواقيت معلومة ليزحفوا كالجراد على كل اخضر ويابس وزرع وضرع.. وها نحن لما نزل نمسك بِقَرْنَيْ البقرة ، وهم يحلبون.. بل نحن نصرخ فيهم ان الضرع قد جف وصار الحليب دما.. وهم غير مُبَالين.
انا يائس من اي اصلاح في المدى المنظور على الاقل.. ولا تحدثوني عن المعجزات وخاتم سيدنا سليمان.. لقد حفظنا كل شيء عن ظهر قلب منذ زمن الغراب، ولا شيء يجيرنا غير المصائب والكوارث وكلما تدهورنا زاد الدعاء…. وكلما اكثرنا من الدعاء ازددنا عهرا ومذلة وخصاصة وفتنة ودمارا..
ليست مشكلة تونس في ابدال رئيس حكومة بآخر.. واختيار طاقم نزيه مشهود له بالخبرة والكفاءة وحسن التصرف في الموارد البشرية والمال العام وهو امر جيد وعملية تجميلية ضرورية.. هذا في صورة ما اذا كانت حال البلاد مستقرة وغير آيلة للسقوط.
لكن ماذا سيفيدنا كل هذا بعد خراب مالطا.
فانا متاكد ان خزينة دولتنا شبه فارغة.. بل تحاصرنا الديون من كل جانب ولا نقدر حتى على سداد نصفها قريبا جدا.. ان عجلة النمو انفلقت في الخلاء والرحلة اطول من فرحنا.. والشفاء ابعد عن مرضانا ونحن في الرمضاء وسط الرمل والشّهِيلي.. ولا من مغيث ..
ولماذا نكذب عن انفسنا.. بل الاصح لماذا تواصل كذبها علينا هاته الطغمة الحقيرة الحاكمة..
فلا حلول عاجلة لما اصاب بلادنا من عفن وانهيار.. لقد انكشفت عوراتنا وانهدم الجدار على الباب والمحراب ، وبان غسيل ملابسنا الداخلية على مرأى من الاغراب والشامتين. طالما قطعان النكبة يعضّون بالنواجد على الشحم واللحم.. فلن يساعدنا احد، ولن ترحمنا حتى السماء.
المستثمرون هربوا.. والمصانع اغلقت ، والانتاج توقف ، والبطالة تفاقمت ، والاوضاع الامنية تعقدت ، والانحراف والجريمة سادتا فينا وفي شوارعنا.. وفي عقول وسلوك شبابنا من الطبقة الحالمة المهمشة ..واليأس دب في النفوس وفي اعماق العاقل وغير العاقل.. وحين يتفشى الياس في عقول الناس ،يزول الخوف من كل شيء ،، ويستشري قانون الغاب..
وكلما عدنا الى قاعدة ” راس المال جبان” كلما عدنا الى واقع بلادنا الراهن الذي لا مجال ولا حتى مجرد هامش فيه يطمئن اصحاب راس المال محليا واقليميا ودوليا..
لقد راهن الزعيم والقائد الملهم الفذ ” الحبيب بورقيبة” – يرحمه الله – على استمرارية التعامل مع دول الغرب وارثها الفكري والحضاري ومؤسساتها العريقة التي سادت فيها مكارم الاخلاق ، والعلم والعدل والمعرفة وانتاج الثروات ، بعد ان قطع بكل وضوح مع الحكام العرب وشعارات حماسة الاطفال التي ظلوا يضحكون بها على شعوبهم لعقود.. واتجه بأفكار واقعية وبسيطة لبناء تونس في العمق.. فاحبه الناس وساروا معه وتنازلوا عن جانب كبير من الرفاهية العابرة المصطنعة.. لانهم ادركوا صدق الرجل ومدى عشقه لتونس.. ثم ان الغرب مد له يد العون في كل شيء بعد ان قرأ فكره السياسي جيدا ، واقتنع بان الرجل خارج سرب الجراد ، وان مواقفه ومبادئه وتوجهاته لا تزهر بالليل ، وتنطفىء وتذهب بالنهار..
والان .. مَنْ سوف يمدّ لنا الحبل لنعبر هذا النهر المتلاطم بالأوحال والادران الذي رمونا فيه أزلام ” البنّائين او المَاسُون” او ” البنّا” او احفاد ” الخازوق” …
صدقوني، لو نفعنا الاتراك وأجلافهم حقا ..فانها من علامات الساعة.. ولو وجد ” بورقيبة” مجرد بقعة ضوء عبر شقوق بقايا جدار لديهم.. لاتجه اليهم راسا.. ومن زمااان..
انهم اضاعوا عمدا فرصة تاريخية وهبها القدر لنا ولبلادنا .. وحشرونا في زاوية من الروائح الكريهة ليس بالأمر السهل ازالتها..
انّ الجراد يكره الحدائق بالتأكيد يا سادتي!