نشر رئيس حزب العمال حمة الهمامي، اليوم السبت، مصا مؤثرا […]
نشر رئيس حزب العمال حمة الهمامي، اليوم السبت، مصا مؤثرا على زوجته راضية النصراوي التي تمر في الفترة الحالية بأزمة صحية، حيث أكد في تدوينة له على صفحته الرسمية بفايسبوك أن صحة زوجته تعكرت.
وقال إنه كتب هذا النص وهو تحت تأثير الصدمة دفاعا عن وجود راضية نصراوي.
وفي ما يلي النص كاملا:
أَيَّتُهَا الرُّوحُ في كُرَّاسِكِ… نَحْنُ حُرَّاسُكِ
—-
في الأيام الأخيرة تعكّرت حالة راضية الصحية. فكتبت هذا النص تحت وقع الصّدمة. كَتَبته دفاعا عن الوجود (وجود راضية) ضد الموت والعدم (موت راضية). ونصحني أحد الأصدقاء بعدم نشره في اللحظة الراهنة لما فيه من ألم… أو لما يمكن أن يُفهم منه أنّه رثاء لشخص حيّ يرزق. فما كان منّي إلا أن وضعت النص جانبا. لكنّ صديقا آخر اطّلع عليه فرجاني ألّا أترك شيئا محبوسا لا في داخلي ولا في دفاتري…”اُنشر كلّ شيء كي تتحرر من وجعك ولا تتركه يتراكم فيهدّك”، قال لي. وهو نفس الموقف الذي عبرت لي عنه منذ البداية إحدى رفيقاتي وهي أستاذة أدب. وفي النهاية احتكمت إلى صديقين آخرين عزيزين وهما آمال الشاهد، الإعلامية المعروفة، والناصر الرديسي شاعرنا الرقيق، فدفعاني دفعا إلى نشر النص.
وهذا هو النص الذي كتبته بمقدمته ومتنه:
قال جون جوريس الزعيم الاشتراكي الفرنسي المعروف: “إنْ كُنْتَ لا تَخْشَى المَوْتَ، يمكنك أن تفعل/تحقّق ما تريد”. وقال نجيب محفوظ: “الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة”. وكلّ من يعرف راضية النصراوي يعرف حتما أنها إنسانة لا تهاب الموت وأنها لا تخاف أصلا. بل لا يوجد في قاموسها شيء اسمه الخوف. وهي مع ذلك امرأة رقيقة، تعشق الحياة، تحبّ الضحك و”الزهو” والغناء وخاصة التراث التونسي. ولكنّ كيان هذه المرأة الرقيقة يهتزّ لسماع قصّة أيّ إنسان من بني جلدتها، مهما كانت نزعاته الفكرية والسياسية وانتماءاته الاجتماعية، يُعذّب أو يتعرّض لمظلمة فتنقلب فجأة إلى بركان هائج يأتي على كلّ ظالم/ظلّام يعترض طريقها. راضية امرأة مقتنعة في عمق أعماقها بأنّ الخوف/الجُبْن مناف للإرادة الإنسانية ومهين للكرامة البشرية. “لا ينبغي للإنسان أن يَخَافَ”، لأنّ الخوف يساوي الموت الحقيقي وهو الموت المعنوي الأشدّ والأقسى من أيّ موت آخر .تقول راضية في دردشاتنا الكثيرة على مدى أربعة عقود: “الإِنْسَان؟ لمَ يخاف؟ وممّا يخاف؟ وعمّ يخاف؟ وماذا سيكسب إذا خاف؟ أليس خوف الإنسان على كرامته أهمّ من الخوف من أن يتلقى ضربة أو رصاصة في رأسه لأنه دافع عن كرامته؟ الدّنيا آخرتها موت… وأن يموت الإنسان واقفا أفضل من أن يموت مطأطأ الرأس… ارفع رأسك أيها الإنسان”. كلام يذكّرني بما قاله كبير المجاهدين الليبيين، العظيم عمر المختار: “نحن لا نستسلم، نموت أو ننتصر”.
تذكرت كل هذا حين تعرضت راضية في اليومين الأخيرين إلى وعكة صحّية جديدة أقعدتها عن الحركة…لا أخفي أنّني في البداية ارتبكت وأنا أنظر إلى جسمها ممدّدا، فوق فراشها بالغرفة التي تأوينا بالمستشفى العسكري… ولكن لمّا نظرت إلى وجهها ووجدتها هادئة، مبتسمة، تحدّق في عينيّ وكأنها تختبر رباطة جأشي في هذه اللحظات الحرجة.. انتفضت وثرت على نفسي… واستعدت ذاتي التي لا تخشى الموت ولا تأبه بالخوف… أخذت قلمي وكتبت هذه الكلمات عملا بوصية أحد أصدقائي، وهو طبيب: “لا تترك شيئا في داخلك…”. والحقيقة أنني أشعر براحة كبيرة لأنني قادر على الأقل على الكتابة لأتحرّر ممّا يعتمل في عمق أعماقي حتى لا يقتلني… ما أفظع أن تشعر بشيء محبوس في داخلك ولا تقدر على التعبير عنه بما تريد وكيفما تريد… في رسالة قصيرة، كتب لي صديقي فتحي بلحاج يحيى تعليقا على نص نشرته أخيرا: “ابك ع اللي ما عندوش قلم… أما أنت فأنقذك قلمك…”… فشكرا لوالدي الذي فكّر يوما في إرسالي ذات عام 1958 إلى المدرسة الابتدائية بقرية العروسة (ولاية سليانة) وحملني على كتفيه مرات ومرات ليعبر بي “وادي سليانة” في عزّ الشتاء كي لا تجرفني سيوله وحتّى لا أتغيّب عن دروسي… وشكرا لسي عبد الجليل، معلّمي الأول الذي علّمني حروف الأبجدية لأتمكّن لاحقا من تركيبها وتحويلها إلى كلمات وجمل فنصوص…ما أفظعك أيها الجهل…
(1)
أيُّهَا المَوْتْ…
يَا قَابِضَ الأَرْوَاحْ
يَا حَبِيبَ الحُزْنِ والشَّقَاءِ
وَالسَّوَادِ والنَّدِيبِ
وَالنُّوَاحْ…
أَنْتَ لسْتَ مِنّا
ونحْنُ لَسْنَا منْكْ
نَحْنُ قَوْمٌ
يَحْتَفِي بِالحَيَاهْ
وَيَحْفَلُ بالصّباحْ…
ويَمْقُتُ الظلامَ
وَالأشْبَاحْ…
(2)
أَيُّهَا المَوْتْ
يَا قَاطِعَ الأَنْفَاسْ
تَتَرَبَّصُ
بِهَا…
تَحُومُ حَوْلهَا
كَمَا يَحُومُ الذِّئْبُ
حَوْلَ طَائِرٍ جَرِيحْ
لَكِنْ حَذَارِ أَن تَمُرَّ
مِنْ هُنَا…
بِوَجْهِكَ القَبِيحْ…
فهْي لَنَا…
ولَيْسَتْ لَكْ…
أُمُّ الفَقِيرَاتِ
والفُقَرَاءْ
وَالمُعَذَّبَاتِ في الأَرْضِ
وَالمُعَذَّبِينْ…
“رَاهِبَةُ النِّضَالْ”
لَهَا حُرَّاسُهَا
وَحَافِظُو كُرَّاسِهَا
فِي كلِّ حِينْ
(3)
يا مَوْتُ
يَا لَئِيمْ….
عِنْوانُهَا مَكْشُوفْ
لَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِي البَحْثِ عَنْهْ
تَسْكُنُ فِي الطَّابِقِ الحَادِي عَشَرْ
مِنَ المُسْتشْفَى العَسْكَرِي
بالعَاصمة…
غُرْفَتُها الجَمِيلَة
تُطِلُّ مِنْ عَلْيَائِهَا عَلَى المَدِينَة
غُرْفَتُهَا
تَمْلَؤُهَا السّعَادة…
وَتَزْخَرُ بِالحَياةِ
وَالأَملْ
وَتَحْفَلُ بالغِنَاءِ
كُلَّ يَوْمْ
(4)
“يَا حَجَلْ
طَلِّيتْ مِالعَلَالِي
يَا حَجَلْ
طَلِّيتْ مِ الجَبَلْ
خَبِّرِ الرِّفَاقْ
عَلَى حَالِي
خَبِّرْ الرفاق
يَا حَجَلْ”
——-
يَا حَجَلْ
مْزَارِعنَا الخَضْرَاء
يَا رِفَاقِي
تِسْتَنَّى في يُومِ التّلاقي
نَحْضِنْهَا بِالشُّوق
اللِّي بَاقِي
وَنوّلّعْهَا ثَوْرَة
يَا حَجَلْ”(1)
(5)
يا مَوْتُ،
يَا عَدَمْ،
غُرْفَتُها تَعْبَقُ بِالحُبِّ
وَتَنْتَشِرُ فِي أَرْجَائِهَا
بَشائِر الفَرَحْ
وَمِنْ شُبّاكها الصَّغِيرِ تَظْهَرُ
فِي الأُفُقْ
نَجْمةٌ حَمْرَاءُ
تَرْقُبُهَا مِنْ بَعِيدْ…
وأَنَا…
وَأَنَا حَارِسُها العَنِيدْ
أَبِيتُ جَنْبَهَا،
أُراقِبُ أَنْفَاسَهَا
أرَاقب كلَّ زَفْرَةٍ تُطْلِقُهَا
من حشايا صدرها العليل
وأَتلَصَّصُ عليكَ أَيّها
اللَّعِينْ
لعلَّكَ تمرُّ من هنا
فَأُوصدُ فِي وَجْهِكَ
الأَبْوَابَ
وَالمَنَافِذْ…
وأُغَنّي لَكْ
بِالصَّوْتِ العَالِي…
النّصْرُ لِلْحَيَاهْ…
النّصرُ لِلْأَمَلْ…
يَا قَاهِرَ الموْتِ
وَالعَدَمْ…
————
(1) من أغاني الحركة الطلابية التونسية. وأصل الأغنية للسيدة فيروز.
تونس في 25 أكتوبر 2021