بقلم : عبد الرؤوف بوفتح
..أشعر بالاختناق.. لأني صرت اعتقد اننا لسنا السكان الاصليين لتونس ، بل نحن جالية مقيمة اختلطت فيها سيوف المُغيرين الفاتحين والمرتزقة من جميع الممالك والقبائل منذ الفينيقيين وحتى خيول الباب العالي ..ودبّابات الافرنجة..وكل تلك الجحافل والقطعان المدججة بالدهاء ، وصناعة الوهم ، والتجارة بكل شيء والخطف والنطر والتحيل ، والحماسة والنخاسة ، والوجاهة ، والسفاهة.. وحتى الدّعارة والمجون ..منذ اقدم العصور.
أشعر بالحزن لأن جاري الأبكم والأصم لا يلتقط رائحة صوتي المهزوم ، ولا حركاتي المضحكة التي تصدر من القلب.
أشعر بالحزن لأني انتسب لجيل ضحية . فلماذا.. لم أكن طائرا..
..انّ الطيور تهاجر أُلوف الأميال بِصِدْقِ الحركة من غير تسميات : مثل الهجرة والإغتراب ،، ثم تعود إلى مَواطنها وهي تُحرّك أجنحتها على مهل عبر الأجواء العريضة بدون كلمة ” وطن “… هذه المُفْردة الي أُسْتُغِلّت وآستُعْبِِد الإنسان بواسطتها ، وما أكثر ما آسْتُعْبِد بها….!!
و احمد الله اني ﻻ أنتمي لحزب وﻻ لحركة سياسية ،، ولأن ازدراء الأفواه جعل من الحبر رصاصات ناعمة وحتى أني حزين من جفاف الينابيع في باديتي ،،
وأن خريف هذا العام رطب جدا وكئيب ومطره جارح.. ليس ناعما ولذيذا وأن الوجوه تيبّستْ بفعل اليأس والحيرة والخوف من كل شيء حقير ..
أشعر بحزن حتى من أشياء قادمة أجهلها.. ومن أشياء أعرفها.. ومن امنيات قاسية اتشوّفها. وﻻ تحتمل..
.. ولأن الغرف تضيق .. والجدران تضيق.. والحروف تضيق.. ويصغر كل شيء في اليقظة والحلم.
أشعر بالحزن تجاه الذين لم يعتمروا ولم يحجّوا.. فلا سعي نشكره لهم.. ولا صلاة استسقاء تنفعنا ولا عباءة التقوى البارّة التي سوف يرمونها عند جباهنا..
أشعر بحزن شديد يفوق الوصف .. حزن تخجل منه هذه اللغة حين ﻻ تجد في قاموسها مفردات تليق بكل هذا الخراب..
أحس .. ارددها مرارا.. ولعل الاحزان نعمة باذخة..ولو كانت امراة..لتزوجتها كي يستريح المغني دفعة واحدة ،، ويختفي الصهيل وتحترق داخل اسوار القلب.. شهوة الاعراس..!