تونس الآن غابت ماكينة الدعاية عن تونس منذ عقد من […]
تونس الآن
غابت ماكينة الدعاية عن تونس منذ عقد من الزمن مما أدى إلى تهميش صورة البلاد حيث يجب التعريف والترويج.
لا أحد ينكر تراجع جائحة كورونا إلى مرحلة التلاشي بدخولنا مرحلة “ذيل الفيروس” كما عبّر ذلك وزير الصحّة، لكنّنا كمن يقيم حفلا صامتا أو يتم زواجا بلا إشهار أونشر الخبر في أصقاع الدنيا. نحن ـ على حدّ علمي ـ في دولة يرتكز اقتصادها على السياحة بامتياز، وقد اشتغلت ماكينات الدعاية في البلدان المنافسة تقليديا رغم استمرار تفشّي الوباء فيها. إنّها تعلم حتما ضرورة تحكيم قاعدة “الحديث والمغزل” ولابدّ من تذكير مجالها الحيويّ بأنّها مازالت هنا تتنفّس… ولو من تحت الماء.
للتذكير فقط، سبقتنا دول متوسطية عديدة منها اليونان وقبرص إلى رفع سقف الامتيازات والعروض المغرية لكلّ من ينوي زيارة شواطئها… والتنازلات كانت كبيرة والإغراءات أكبر، وقد تعجز تونس عن مجاراة تلك التنازلات لأنّها تسعى إلى التعويض عمّا فاتها وعن تخفيف العجز الهائل في مجال السياحة وفي الميزان التجاري عموما، فيما لا تعاني تلك البلدان من ضيق التنفس وبنفس الحدّة مقارنة بالحالة التونسية.
لكنّنا يا حكومتنا نمتلك مؤشرا استثنائيا لا يملكه المنافسون. فاسم تونس مسجل ضمن قائمة الدول السبع التي هزمت الوباء أو كادت، وتوقيت خروجنا من ضائقة الجائحة مهمّ جدّا لأنّ الموسم السياحي قد أسقط خارطة توزيع خيراته بين المتنافسين التقليديين، الكبار مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان ومصر، والأقل حظا مثل تونس وصربيا وقبرص وكرواتيا والمغرب بحكم تفشي الوباء، وإلى الآن مازال المجال مفتوحا لقلب الطاولة على من سيفوته قطار النسخة الثانية من نوايا الحجوزات التي تتحكم فيها وكالات الأسفار العالمية، وستظفر البلدان الخالية من الوباء بنصيب أوفر من العادة حتّى في ظلّ انكماش متوقع للإقبال على السفر لدى الأوروبيين، وهم الحرفاء التقليديون، وقد تنتعش بالمقابل السوق الصينيّة التي تخطت الجائحة، ولم يتضرّر النسيج الاقتصادي فيها من تأثيرات الوباء.
هذه تقديرات بسيطة لما قد تبدو عليه الأوضاع في مجال السياحة الذي يبقى مرتهنا إلى سوق النقل الجوّي والبحري السياحيين. غير أنّ ما يحزّ في النفس حقّا أن نرى الفرصة تضيع منّا كماء ينسلّ من بين الأصابع هدرا. لقد امتلكنا أحد أسباب الترويج الأساسية لموسم سياحيّ واعد، لكنّنا نفتقر إلى ماكينة دعاية لذلك.
وكان يفترض حضورا تونسيا للترويج في كبرى القنوات التلفزية وتركيزا أكثر على وسائل الاتصال الرقمية لذلك قد تضيق الطريق علينا أكثر من ذلك بمرور كلّ يوم لا نرى فيه صدى لوضعنا الصحّي المنفرج في وسائل الإعلام العالمية.
وحين تزور مواقع إخبارية لدول منافسة لنا، ترى حملات تبشير بقرب انفراج الأوضاع الصحيّة بها، مشيدة بتراجع عدد الوفيات، أو بارتفاع نسبة التعافي من الجائحة وكأنّها تذكّر وكالات الأسفار الكبرى بضرورة تخصيص منابها التقليدي من كعكة الموسم السياحي أو أكثر ممّا كان سابقا. أين نحن؟ أين الإعلام التونسي؟ أين الاتصال الدبلوماسي الموجّه حسب حاجة البلاد إلى الدعم والترويج؟ أين قنوات الركود وقنوات الرقص المجاني التي تحصلت مؤخرا على الدعم الكريم من بيت مال التونسيين ولم تفكّر في ردّ الجميل، بل ظلت تتنافس على استقطاب “عمالقة التنشيط” والتحلّق حول موائد التمعّش من الواقع السياسي المهترئ؟ أين الأحزاب التي تتبجّح بسعة خارطة مريديها ومموّليها في الانتخابات؟ أين نحن من واقع الإنعاش الذي تتحدّث الحكومة؟ أم أنّنا ـ كالعادة ـ نحلم بحكومة توزّع ريع قروضها على من يدّعي الاحتياج والضائقة المالية ولا ينتبه إلى ما يمكن كسبه من الاجتهاد في طلب الفرص المتاحة خارج حدود خزائن بنوكنا؟
الواجب العاجل أداؤه مباشرة بعد واجب الانتعاش الصحّي القريب هو واجب الإنعاش وهو واجب وطني عام ملزم لكلّ الأطراف ومع كثرة اللجان والمراصد ننتظر من الحكومة الإسراع بتشكيل فريق توكل إليه مهمّة التنسيق بين مكونات النسيج الدبلوماسي والاقتصادي والمالي والإعلامي لرفع تحدي الإنعاش العملي المستعجل للسياحة قبل أن تضيع منّا فرصة لا تدارك بعدها.
ناجي العباسي