بقلم :حافظ الغريبي في الوقت التي باتت كل الدول تخفف […]
بقلم :حافظ الغريبي
في الوقت التي باتت كل الدول تخفف إجراءات السفر بعد تعميم التلقيح أضحت تونس الدولة الاستثناء في تشديد شروط الدخول إليها .. ولا يتعلق الأمر هنا بالوافدين الأجانب فحسب بل حتى برعاياها الذين يسافرون للسياحة او للضرورة المهنية أو ما إلى ذلك من السفرات القصيرة التي وبسقف مزر لتحويل العملة الصعبة بالكاد يكفي للإقامة في أدني الفنادق والأكل مرة واحدة في اليوم والتنقل بأقل كلفة.
هذا السقف الذي لا يغني من فقر ولا يسمن من جوع قررت الإدارة القرطاسية إن تضيف إليه كلفة باهظة تتعلق بإجراء تحاليل وليس تحاليل سريعة بل تحاليل الـ”بي سي آر” وطبع أوراق بعد تسجيل بمنظومة “أحمي” الرهيبة .. وكل ما سبق لا يعتبر نهاية المعاناة بل بدايتها ..واليكم التفاصيل:
تنطلق معاناة رحلة العودة قبل 72 ساعة اذ على التونسي العائد لأرض وطنه ان يبحث لنفسه عن مخبر لإجراء تحليل الـ”بي سي آر” والحصول على موعد مسبق لأنهم لا يقبلون الحرفاء دون موعد ..كل ذلك بعد القيام ببحث عبر الانترنيت او بمساعدة من إدارة الفندق الذي يقيم به، ولأن المخابر على عكس الصيدليات لا توجد في أي مكان فإنه عادة ما يكون التونسي مجبرا على امتطاء سيارة تاكسي لتنقله الى حيث يوجد المخبر بكلفة لا تقل عن 15 أورو أي ما يفوق الـ50 دينارا مع ما يستوجبه ذلك من تخصيص وقت لا يقل عن الساعتين أو ثلاثة على حساب عمله إن كان يعمل أو على حساب سياحته إن كان في رحلة سياحية منظمة ..والأدهى والأمر أن تحليل الـ” بي سي آر” يتكلف بما لا يقل عن 60 أورو وقد يصل الى 100 أورو لأنه لا يخضع للتسعير لكن عادة ما يكون في حدود 80 أورو أي في حدود 270 دينارا ..
وان أردت ان تتسلم الوثيقة مطبوعة فعليك ان تعيد نفس الرحلة وإلا فعليك البحث عمن يطبعها لك بعد ان تصلك ببريدك الالكتروني أو بعد أن تدخل موقع المخبر إثر انتظار لا يقل عن 24 ساعة..
كما عليك ان تتزود بما يثبت حصولك على تلقيح تام وهنا وللعلم فان قراءة رمز الاستجابة السريعة للتلقيح التونسي QR CODE غير ممكنة في الخارج لذلك عليك ان تتسلح بالوثيقة وأن تقنع أي مكان تدخله بأنك صاحبها وبأنها سليمة وليست مدلسة ونفس الأمر ينطبق بالمطار..
المهم عليك أن تكون مسلحا بالتحليل المخبري وبشهادة التلقيح – التي ان كانت مسجلة باللغة العربية فانه يستحيل تغيير الاسم الى اللاتينية – وهذا مشكل آخر.. وعليك ان لا تتفاجأ اذا ما رفضوا قبول تسجيلك للسفر بالمطار اذا لم يتوفر لديك التسجيل بتطبيقة “احمي بوردر ” وهذه حكاية أخرى..
فالمنظومة التي وضعتها وزارة الصحة تشتغل أحيانا وتتوقف أحيانا أخرى وطريقة التسجيل بها معقدة اما طريقة حفظها على الهاتف فأعقد… من ذلك ان التسجيل يتم بالفرنسية واذا بلغت مستوى التاريخ فان المنظومة تغيره للإنقليزية دون سابق اعلام فيتقدم الشهر على اليوم وعليك ان تتفطن لذلك كي يتم التسجيل والا ستمضي يومك وانت تحاول …ثم اذا نجحت في التسجيل فعليك ان تحفظها في هاتفك وهو امر معقد لان الوثيقة ليست صورة بل في شكل PDF ثم تبحث لك عن مكان لطبعها وتلك معاناة أخرى.
ختاما إذا كنت من الناجحين في امتحان دولة القرطاسية وقبلت بك إدارة مطار الانطلاق فكجائزة تُسلم لك وثيقتان عليك تعميرهما بدقة وإمضاؤهما لتسليمهما الى الجهة التونسية علما أن عدد الذين يمنعون من السفر بسبب تلك الوثائق مفزع جدا، وتلك معاناة أخرى.
المهم أن تنطلق الرحلة بسلام وتصل بر الأمان حيث تجد صف الانتظار يمتد أكثر من مائة متر عند الخروج لأن وزارة الصحة وضعت في باب الخروج بعد عبور الديوانة مضيفتان مكلفتان باستقبال ركاب عشرات الطائرات التي تصل في أوقات متقاربة مما يحدث ازدحاما رهيبا يصل من الباب الخارجي الى مستوى السوق الحرة ..أطفال وشيوخ وأناس متعبين من مشقة السفر عليهم الوقوف نصف ساعة لختم الجواز ونصف ساعة أخرى لتسلم الحقائب وساعة ثانية لتسليم تلك الأوراق بعد ان تتولى المضيفتان مراقبة كل المسافرين ومراقبة جوازاتهم وتسلم كل الوثائق من عندهم التي تتكدس لديهن ولا أدري كيف سيم فرزها أو تصنيفها سيما وأنه لا يتم تمسيك وثائق كل شخص على حدة بما يؤكد ان مصيرها سيكون الإهمال او تخصيص جيش من الموظفين لفرزها في دولة القرطاسية التي توهم الناس انها تراقب لكنها لا تفعل شيئا.
في المحصلة فإن الإعلام بما يتطلبه الأمر من وثائق عند المغادرة أو العودة مفقود تماما وعلى المسافر أن يبحث بمفرده عن القرارات التي تتغير بين الفينة والأخرى.. كما أن تونس وعلى عكس بقية الدول تفرض إجراءات على الملقحين تثقل كاهلهم وتساويهم بغير الملقحين بكلفة لا تقل عن الـ400 دينارا من العملة الصعبة كان أولى ان تظل في تونس ..وهي تريد ان تتساوى من حيث التكنولوجيا ببقية الدول لكنها عاجزة على ذلك فلا شهادة التلقيح تُقرأ الكترونيا في الخارج ولا تطبيقتها تشتغل بشكل جيد في حين كان أولى أن تكون خدماتها مضاهية لما تقدمه الدول الأخرى سيما وقد توفرت لتونس الاعتمادات بقدر هام في شكل مساعدات لا ندري ماذا فعلوا بها ؟
ختاما فانه من عهد الفساد الى العهد السعيد لم يتغير شيء بل زادت الأمور تعقيدا لذلك لا نقدر ان نقول الا لك الله يا تونسي أما تونس التي نعرفها فعليها رحمة الله.
حافظ الغريبي