بمجرد التأمل في مراحل ولادة الكون ومحطات تكوّنه، وعلى نحو […]
بمجرد التأمل في مراحل ولادة الكون ومحطات تكوّنه، وعلى نحو ما ذهب إليه الراحل “دورموسون”، فقد اتضحت لي شخصيا بما لا يدع مجالا للشك مصداقية وجود هذا “المهندس” وراء كل شيء أي سبب وجود كل شيء. ففي سورة “النحل” من القرآن الكريم نجد بالخصوص أن الله “خلق السماوات والأرض”…و”خلق الإنسان من نطفة”…و”الأنعام”…و”الخيل والبغال والحمير”…”هو الذي انزل من السماء ماء”…و”سخّر (للإنسان) الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم”…”إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون”. صدق الله العظيم. هذا في كتاب الله. ولكن ما كان قبل كل ذلك فلست فقيها لتقديم الجواب الكافي والشافي حوله. بل حتى مختلف الأبحاث العلمية تفيد بأن لا شيء كان قبل خَلْقِ الكون، بل كان العدم غارقا في ظلام دامس. وباستثناء النظرية الدينية الميتافيزيقية التي لا تعترف إلا بالخلق الرباني والتي لا تؤمن بنظرية التطور في علم الأحياء، فانه لا أحد يعرف من كان وراء هذا العدم، ولا لماذا كانت انطلاقة تكوّن هذا الكون.
وبقطع النظر عن مرحلة ما قبل نشأة الكون وهي نقطة الضعف الأساسية في نظريات الخَلق لهذا الكون اللامتناهي، فان الغالبية الساحقة من العلماء تتفق على نظرية تطور التكوّن ومعرفة نقطة الانطلاق أي الساعة الصفر، وحَدّدتْ من هناك كيفية بداية الخلق فيما تسميه الانفجار الأكبر… وضبطت مساره ومحطات تطوره الكبرى إلى أن بلغت الدنيا والحضارة البشرية على ما هي عليه اليوم. وتتلخص هذه المحطات حسب ما يتصوره العلماء في سبع محاور بارزة هي بمثابة مفاصل تقدم الحضارة البشرية بحيث تكوّنت حلقات مترابطة لا تنفصل عن بعضها البعض. فهي سلسلة مُحكمة الربطِ لولاها لما كانت الأرض ولا الإنسان، وما كان الحيوان ولا الشجر ولا الحجر، وبالتالي ما كان الكون أصلا في صورته الحالية.
المحطة الأولى في هذه السلسلة تُعرف بالانفجار الكبير الذي حصل كما قلنا من لا شيء منذ حوالي 14 مليار سنة خلت. وهو عبارة عن نقطة ضوء متكونة من حبات الهليوم والهيدروجين التي “أنارت” في رمشة عين كامل العتمة التي كانت تغطي آنذاك الفضاء. وليس هناك أحد كما ذكرنا قادر على تفسير أسباب هذا الانفجار وكنهه. وبعد تمدّد عناصر الهليوم والهيدروجين اثر الانفجار المذكور، دخل الكون المحطة الثانية المتمثلة في ولادة النجوم والتي أصبحت بفضل الانفجار الحاصل شموعا منتشرة في مختلف أنحاء الفضاء. وفيما تواصل إشعاع المليارات من النجوم كانت نجوم أخرى بصدد الموت والاندثار. ثم مرّ الكون إلى المحطة الثالثة التي تعرف بتكوين ما يعرف بالعناصر المعقدة وهي الالتحام بين عناصر كيماوية متنوعة وتتكوّن بفضلها المادة المكوِّنة بدورها للأجسام والكواكب المختلفة.
وبعد نشأة كوكب الشمس، حيث يكون قد مرّ على الانفجار الأول حوالي 4.5 مليار سنة، نشأ كوكب الأرض وهي المحطة الرابعة من مسيرة هذا الكون. ولم يكد هذا الكوكب يرى النور حتى اهتز الكون بسبب انفجارات عظمى في قلب النجوم فاقت حرارتها 10 مليار درجة. وهو ما مكّن من الدخول في المحطة الخامسة وهي بداية الحياة على كوكب الأرض من خلال تفاعلات كيماوية في أعماق البحار والمحيطات. وهكذا انطلقت مسيرة الخلق فنشأت الحيوانات البحرية الأولى ثم وصلت إلى فصيلة الديناصورات. وكان بالإمكان أن تعمّر الأرض بهذه النوعية من الحيوانات لو لم تشهد قبل حوالي 165 مليون سنة هجوما كاسحا من قبل كوكيب ضرب الأرض ضربة قضت على ما فيها من حيوانات. ورُبّ ضارة نافعة، فقد مكنت هذه الضربة من نشأة نوعية أخرى من الحيوانات وهي الثدييات التي سيدخل بها الكون مرحلته السادسة. هذه المرحلة التي سيكون الإنسان بطلها هي أهم خطوة على صعيد تطور الجنس البشري، فيما يعرف بمرحلة التعلّم الجماعي، بفضل تطور حجم دماغ الإنسان وتراكم المعرفة لديه عبر العصور والأجيال مما جعل البشر قادرا على السيطرة على الطبيعة.
ولله في خلقه شؤون. وسنعود لمواصلة الحديث في هذا الشأن.