بقلم: علي الجليطي كنت قد حدثتكم عن أوجه الخير التي […]
بقلم: علي الجليطي
كنت قد حدثتكم عن أوجه الخير التي قد نجدها في إفرازات الكورونا والظواهر الايجابية المتفرعة عن هذه الكارثة الوبائية التي حلت بكل بلدان العالم… وتساءلنا هل نكتفي بهذا ونمرّ مرور الكرام ونضع كل بيضنا في سلة القضاء والقدر؟… أم علينا أن نواجه المصيبة بواقعية وعقلانية، ليس فقط بالنسبة للحدث في حد ذاته، بل وكذلك فيما نتج عنه من مظاهر الشر التي لا تقل خطرا عن الفيروس نفسه، قبل مواجهة الأمر برمته بفكر ثاقب معوّلين على أنفسنا كمواطنين للوقاية، ومعتمدين على أولي الأمر منا وعلى أهل العلم والمعرفة لإيجاد الحل والمعالجة.
فإذا نظرنا إلى ما حصل من زاوية الضرر فالواقع أن لهذا الوباء شر لم تشهده البشرية منذ زمن بعيد، بل يكاد يكون متصدرا لمختلف ما شهدته الإنسانية من أوبئة عبر تاريخها ليس بالطبع من حيث عدد الضحايا، وهذا بفضل تطور العلم وتزايد المعرفة بأسباب الوقاية على محدوديتها بشهادة الجميع، وإنما من حيث انتشاره السريع على كامل المعمورة بحكم تطور وسائل النقل بين جميع أطرافها، وكذلك سرعة خبر انتشاره بين الأمم بفضل وسائل الاتصال الحديثة والمتابعة الحينية لكل تطوراته. فما هي هذه الظواهر السلبية التي تمت ملاحظتها منذ بداية الأزمة أو على الأقل البارز منها لنا؟
طبعا يتصدر المخاطر التي نسجلها في هذا الباب عنصر الضحايا من الأرواح التي فقدناها -عليهم رحمة الله- والمصابين الذين نتمنى لهم الشفاء العاجل. ولكن ما يهمّنا أكثر في هذا السياق هي تلك الانحرافات السلبية الأخرى التي ساهم هذا الوباء في انتشارها حيث تم توظيفه من قبل العديد من الفئات لأغراض تختلف حسب نوعية هذه الجماعات.
1– نذكر أولا تلك العناصر الطفيلية، من المضاربين والمحتكرين والمهربين، التي يتضاعف حراكها في ظل الأزمات والحروب.فما أن تناهى إلى سمعها قدوم هذا الضيف الثقيل حتى سارعت إلى خطف وخزن ما تيسر لها من المواد الغذائية والصحية. وازدهرت سوقهم بأشكال لا يصدقها عقل. ولكم فيما تنشره مراقبة التجارة والهياكل الأمنية والديوانية من معطيات خير مثال على حجم هذا الخور، علما أن ذلك قد لا يكون سوى قمة الجبل الطفيلي التي تمكنت الهياكل من كشفه.
2- أما على الصعيد الدولي، فأعلم حفظك الله أن الصراع بين القوى الكبرى المتحكّمة في الصناعة الصحية أصبح على أشده من أجل احتكار السوق العالمية، ولكم فيما ذكره وزير صحتنا في هذا السياق فكرة أولى، إضافة إلى عمليات الغش والاحتيال التي تلجأ اليها بعض الشركات العظمى لترويج مواد غير صالحة للاستعمال واستغلال حاجة الغافلين لتصدير تلك المواد نحو العالم الثالث، هذا فضلا عن السباق المحموم بين تلك القوى الكبرى من أجل اكتشاف ثم تسويق الدواء واللقاح ضد هذا الفيروس الملعون فيما تظل الشعوب المغلوبة على أمرها في انتظار الفرج الذي ستتحدد شروط بيعه خارج إرادتها.
3- ونعود إلى المستوى الوطني، حيث تزدهر أنشطة خفافيش الظلام والنهار من اللصوص والمنحرفين والصعاليك الذين يسهرون على تطوير حرفتهم حتى تتأقلم مع المتغيرات على الساحة. ولكم فيما تنشره الصحافة بخصوص ما تتفتق عليه قريحة هؤلاء من أساليب اجرامية لا تخطر على بال في مجال السرقة ومخادعة أصحاب المنازل بشتى الطرق الجهنمية للدخول إليها في وضح النهار متنكرين تحت قناع مجابهة هذا الوباء الجديد وهم في الحقيقة أخطر من الوباء ذاته.
4- ولا نطيل الحديث حول المتخلفة عقولهم فهم بطبعهم من ذوي النفوس المريضة الذين لا تهمهم حياتهم فما بالك بحياة الآخرين مِن أمثال مَن يخرقون الحجر الصحي بتجوالهم في الشوارع بدون سبب، بل منهم من يقيم الأعراس والأفراح، ومنهم من يقيم الجلسات الخمرية حتى في سيارة إسعاف إن لزم الأمر، بل وهناك من يخاطر بالصلاة جماعة ومن يتظاهر بأسلوب جديد عبر الصراخ والتكبير، ومنهم من يفرّ من الحجر الإجباري أو يهجم على المقرات الاستشفائية فيصيب بالعدوى من يسهر على حماية الناس وصحتهم… ولله في خلقه شؤون.
5- وتطول القائمة لذلك سنكتفي بطائفة أخيرة هي تلك التي توظف هذا الوباء لمزيد التقرب من الله والعياذ به من شرما خلق، ولا حرج في ذلك طالما بقي الأمر في حدود العلاقة بين المخلوق والخالق… أما أن يتداول بعضهم على صفحات التواصل الاجتماعي مقاطع من خطب من شأنها مزيد إرهاب الناس من “غضب الله” وكأن خوفهم ورعبهم من هذا الوباء لا يكفي ! وذهب بعض آخر لاعتبار هذا الفيروس “جندا خفيا من جنود الله” بل “ورسولا جديدا” للبشرية ينذر الناس بسوء العاقبة وبئس المصير، وراح كل من موقعه على الشبكة العنكبوتية “يخيط ويفصل” على هواه متناسين أن سيدنا محمدا هو خاتم النبيين وان الله عز وجلّ ليس في حاجة إلى إرهاب الناس بل مَنَحهم عقلا لتبيّن الهداية من الضلال والخير من الشر دون الحاجة إلى شن حرب عالمية….وقال “اعملوا فسيرى الله عملكم…”
وعودة على بدء، فقد كنا نعمل ونبحث عن كيفية الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية فغرقنا في زجاجة الكورونا، وأخشى من زجاجة ثالثة، هي زجاجة الإرهاب المتأهب على حدودنا الجنوبية ان لم نتهيأ له كما يجب. لذلك فلنتواضع قليلا، ولنترك أهل العلم والمعرفة يعملون عقولهم بعيدا عن الضجيج والغوغاء، ولندعم من يحكم البلاد في هذا الظرف الاستثنائي حتى إن كان ذلك للبعض على مضض، ولنحترم القانون حماية لأنفسنا قبل غيرنا وهذا أضعف الإيمان…وأضعف العمل في هذه الأوقات.