حين اختلفت واحتدّت الاصوات وقتها ، وتباينت الرؤى والمواقف من […]
حين اختلفت واحتدّت الاصوات وقتها ، وتباينت الرؤى والمواقف من طرف العديد من المنتصبين الفوضويين في الساحة السياسية ببلادنا..والمحسوبين على التعددية الديمقراطية ، نكبة، وسطا، ويسارا حول عودة التونسيين الضّالين الذين انخرطوا في أتون القتال في سوريا والعراق الى جانب فصائل الفتنة والدمار وتمزيق اوصال بلدان عربية، بل العبث بمقومات حضارتي مابين النهرين ، و” وزنوبيا في الهلال الخصيب ،، تحت بيارق ” منهاج النبوّة” وهم لا يدركون حتما من يقف خلفهم على الربوة ، وبأي سيف مسموم يقتلون ويذبحون ويسلخون رقاب عشيرتهم ويهتكون عرض اهلهم بالباطل وبأدوات الحقد الاعمى المدفوعة الاجر بتخطيط وتحريض من سَبْط بني قريضة وتمويل من خيانات عمائم ابناء عمومتهم وجيرانهم في الجدار واللغة والحَسَب والنّسب ،، والخبز والملح والماء ،، والدين والعِرْق..
حينها خرج علينا ” راشد الغنوشي”
دون تكلف او حياء او تلميح ، مبتسما ، هادئا راضيا وهو يقول :
” اللحم اذا نتن ، عليه بأهله”..
استحضرت هذه الحكمة التي افرغها مولانا من مدلولها وجوهرها وسياقها..حين تعالت اصوات جاليتنا خارج حدود الوطن من نساء واطفال ، وشباب وكهول وفي ضوء جائحة ” الكورونا”.. منادية برغبتها في العودة الى الديار ، وحنينها الى الجِذْر ، ومسقط الرأس بل وحقها في قضاء العطلة بين دفء الاهل والعشيرة من باب حق المواطنة وما يكفله لها الدستور وكل اعراف التراب والسماء والانسانية..
وبالرغم من مشروعية طلب هؤلاء ، لم يخرج علينا مولانا ولو بنصف كلمة ليردد من جديد :
هؤلاء من لحمنا ايضا..ولم تفسد لحومهم..ولا بد من عودتهم فورا..”
ولعله تغافل عن ذلك لان الفرق شاسع بين اولئك المقاتلين الاوغاد ، وهؤلاء الكادحين المناضلين بالفكر والساعد والمساهمين مباشرة في تدوير عجلة الاقتصاد الوطني عبر مدار الفصول والاعوام..
بل لعله تناسى ان هؤلاء المغتربين ، لم يغادروا البلاد من باب الترف، والسياحة والاستجمام ،، او للانضمام الى قوافل المرتزقة والسطو والاغارة وسفك الدماء .. بل هجّوا حين حاصرتهم البطالة ، وضنك العيش ، وانسدت في قلوبهم كل ابواب الرزق والعيش الكريم ، واعتراهم الياس من كل الجهات ..وملوا من كل اساليب العبث والدجل وتلاعب اصحاب دكاكين صناعة الوهم ، بمصيرهم طيلة عقد من الزمن زادوا فيه الطين بلّه..وتضاعف فيه منسوب ومخزون القهر والتهميش اضعافا .. وهم أشرف وانبل ، واكثر همّة وتعففا من تلك الفئة الملعونة اصلا في كتاب الوطن ، وفي دين الرحمان ،،لانهم لم يخونوا ولم يغدروا ولم يضعفوا ولم يبيعوا ذممهم للاعداء وكل الذين تربصوا وارادوا شرا بتونس وبأهلها…
لماذا كل هذا الجحود والنكران..والصمت المشبوه تجاه افضل شريحة في مجتمعنا..
هل نحن نخاف عدواهم بتعلة ” جائحة الكورونا”..؟
ولنفرض ان ذلك قد يحدث.._ وهو امر يصعب توقعه_ لانهم اكثر وعيا وانضباطا وسلوكا ، واشد حرصا منا على سلامتهم وسلامة ابنائهم وبناتهم ومحيطهم ذهابا وايابا..بسبب ارتباطهم بعملهم ومستقبلهم في مواقعهم التي اتوا منها..وبسبب ما تعودوا عليه هناك من اساليب حضارية علمية ممنهجة دقيقة وصارمة وذاتية تأخذ بجدية وبمسؤولية عالية كل تفاصيل الحماية والوقاية والتعايش السليم مع الذات ومع الاخرين..
ان الغربة وفقدان الوطن والحنين الى تراب الاباء والاجداد ومسقط الراس لمن لم يجربها ، اكبر وأسوأ عقاب وأشد مرارة للانسان حيا وميّتا..با جربوا ان تقتلعوا شجرة من مكانها ونقلها الى حقل آخر..فانها تحترق وهي واقفة مهما ادركناها بالماء والسماد وكل مقومات الحياة..
ألم يَقلها المتنبي :
لكِ يا منازل.. في القلوب مَنَازل..؟
ثم يبقى ذاك السؤال اليابس في الحلق دائما يااا سادتي ، وافهموا كما يروق لكم :
_ مَنْ يُصْلح المِلْحَ.. اذا فسد المِلْح..؟؟
عبد الرؤوف بوفتح