في مثل هذا اليوم 14 فيفري، هاتفني أحد أصدقاء الطفولة […]
في مثل هذا اليوم 14 فيفري، هاتفني أحد أصدقاء الطفولة مُداعِبا ومُبارِكا: “happy (مبروك) ڤِرّة العنز!!” مع تثليث النقاط قصدا فوق القاف وكسرها حتى يكون النطق سليما… وهو بالطبع يشاكس من يحتفل بأعياد غير أعيادنا. فيوم 14 فيفري، حسب التقويم الفلاحي التونسي، حيث تبلغ قساوة برد الشتاء الذروة أي “ڤرّة العنز”، يصادف يوما يُحتفَل فيه بمناسبةٍ تلتهب فيها حرارة العواطف تسمى “عيد الحب”. وفيما لا يتجاوز الاحتفال بالحب يوما واحدا، تمتد ذروة برد الشتاء في “ڤرّة العنز” على 7 أيام وتبدأ من 14 فيفري إلى 21 منه، والبعض ينهيها بعد 5 أيام، وآخرون يجعلونها ليوم واحد على غرار يوم “عيد الحب”… وطبعا اتفق العرب على ألاّ يتفقوا في التقويم وفي غيره…وقد اجتهد البعض على الشبكة العنكبوتية في شرح أصل كلمة “ڤرّة” باشتقاقها من”الڤيرّة” (La guerre) بالفرنسية، أي الحرب، وبذلك تعني «ڤرة العنز» فترة حرب “باردة” على فصيلة الماعز.. لأنه حيوان نحيف ويتأثر كثيرا بشدة برودة الطقس…وهو طبع اجتهاد لطيف ولكنه خاطئ لأن «ڤرة العنز» مشتقة من كلمة “القرّ” وليس “الحرب” والقرّ عكس الحرّ هو البرد القارس الذي لا يتحمله الحيوان فما بالك بالبشر.
هذا عن “ڤِرّة العنز”، أما “عيد الحب” فلم أعهده تقليدا ببلادنا إلا أواخر القرن العشرين، وهو ما يُعرَف بيوم “سان فالانتان” الذي يعود في الأصل إلى تقليدٍ وثنِي تم استيعابه بعد العصور الوسطى من قِبل الكنيسة الكاثوليكية التي عَيّنت القدّيس “فالانتان” شفيعا للمحبّين… وكان الاحتفال عند النصارى يتمثّل في تبادل المُحبّين لرموز الحبّ، مثل القلب أو “كيوبيد”، الملاك المُجنّح في الميثولوجيا الرومانية، ذاك الطفل الصغير ابن الإلهة “فينوس” الذي أشتهر بحمله للسهم وعندما يستهدف به البشرَ يقع المُصاب في الحب. وفي القرن التاسع عشر بدأت ظاهرة تبادل بطاقات المعايدة بهذه المناسبة، ثم أصبحت اليوم مُجسَّمة في تبادل الهدايا وباقات الورود وغيرها من أشكال التعبير عن الحب، ماديا أو افتراضيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي… بل صار الاحتفال به صناعة وتجارة تُقام له السهرات والحفلات في بعض المحلات العامة والخاصة.
ورغم معرفتي الحديثة بهذه المناسبة وترفّعي عن ممارسة طقوسها، فقد شعرت بميل وتعاطف مع هذا اليوم لأنه، أولا يصادف عيد ميلاد ابنتي التي ابعث لها من هنا بعدد سنوات عمرها أربعين وردة وقبلة، وثانيا أجد في جوهره فرصة لترسيخ هذا الشعور الطبيعي الذي أراه راسخا في الحيوان ويضمحل في قلب الإنسان ويكاد يصبح عملة نادرة بيننا… أقصد الحب والمحبة بكل أشكالها واتجاهاتها… نحو الحبيب أو الحبيبة ونحو الوالدين والأبناء ورفيق أو رفيقة العمر… ونحو الآخرين القريبين منا والبعيدين… ونحو الوطن الصغير والكبير… ونحو الأرض والكون وخالقه…اللهمّ حافظ لنا على “قرّة العنز” ورسّخ في قلوبنا عيد الحب والمحبة حتى وان كان عيدا نصرانيا…فنحن أحوج منهم إليه وخاصة في مثل هذه الأيام.
بقلم علي الجليطي