> كلمة ” بُوجَادي”، هي ضمن عديد الكلمات او […]
> كلمة ” بُوجَادي”، هي ضمن عديد الكلمات او التعابير والمصطلحات الدخيلة على قاموسنا الشعبي التي لا نتردد في استعمالها يوميا ، وكلما دعت الضرورة الى توظيفها في لغة تخاطبنا اليومية ، بل صارت متداولة ضمن نسيج اللهجة الدارجة التونسية مثل غيرها من المفردات الموروثة والهجينة االاخرى كالبربرية الامازيغية واللاتينية واليونانية والمالطية والتركية..وحتى الانقليزية احيانا..وذلك نتيجة مُخلّفات الفتوحات والغزوات وتلاقح الحضارات واختلاط الاجناس والملل والاعراق عبر بوّابات الاستعمار ومسالك التجارة بحرا وبرّا.. شرقا وغربا..
> والعجيب في امر كلمة ” بوجادي” اننا نطلقها في تهكم أحيانا على كل شخص قليل التجربة والخبرة .. مبتدىء في الحياة.. وغير متمرس في صَنعة او حرفة او حتى راي او فكرة او سلوك ، وقِسْ على ذلك في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرهما..
> لكن..اعتقد ان الكثير من الناس ، لا يعرفون اصل هذه الكلمة..واشتقاقاتها..وكيف جاءت أو حُرّفت.. ان صح التعبير..
> منذ مدة..اطلعت على ومضة نقلها بدوره صديقي المفكر والباحث التونسي ” هيثم شطورو”..تعرض فيها الى اصل كلمة ” بوجادي”..وهي اسم لرجل السياسة الفرنسي : Pierre Poujadi..الذي صال وجال زمن الجمهورية الثانية الفرنسية اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية.. مع بداية خمسينيات القرن الماضي فيما اظن..وفي عهد..انقض فيه لفيف من اشباه الساسة الفرنسيين انذاك على الحكم ..وسَنّوا دستورا على مقاسهم ونظام حكم برلماني – شبيه بالذي عندنا في تونس الان بعد ” أعجوبة البرويطة” – فتدهور وسَاء الوضع بفرنسا..وازداد انهيارا وقتامة..على المستويات كافة..الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منها بالخصوص…وعم الفساد وانتشرت الجريمة والفوضى…والانتهازية..والانحل
> وبعد عامين تقريبا سارع عدد من مثقفي وفلاسفة وحكماء فرنسا بالاستنجاد ب”شارل ديغول” الذي اعاد الامور الى نصابها، وتمت صياغة الدستور مرة اخرى ..وارسى نظاما رئاسيا جمهوريا حداثويا باتم معنى ومَبْنى الكلمة.. كل فترة فيه تدوم لسبع سنوات – وطبعا على قدر طول قامته الفارعة- .. وبذلك اعاد لفرنسا مجدها.. وهيبتها..واشعاعها محليا واقليما ودوليا.. بعد ان ازاح تلك الوجوه الزرقاء وكل اساليب الشعبوية والغوغاء من ضمنها ذاك الرجل اللغز الذي عزف على سذاجة فئة لا يستهان بها من الفرنسيبن زورا وتزلفا وبهتانا ..وهي مرحلة يطول فيها الحديث..والتندر ايضا..
> والذي يهمنا هنا..هو ان pierre poujadi..كان عسكريا بسيطا..محدود الامكانات الفكرية والمعرفية..وذو مستوى تعليمي متواضع جدا… لكنه استغل الظرف الاجتماعي الصعب وشبه التفكك السياسي في فرنسا انذاك..وانطلق بدهائه مثل غيره من الانتهازيين..في تأليب الراى العام ببريق الشعارات الجوفاء..خاصة في قطاع الحِرفيين والعمال واصحاب الصناعات التقليدية..ونجح بأسلوب السب والشتيمة والقدح والذم في كل شيء..واحيانا بكلام جارح والفاظ نابية.. ان يستميل شريحة هائلة من الناس.. وينجح في الوصول الى البرلمان الفرنسي .. ثم صار بعد ذلك مضربا للسخرية والتعجب.. والتهكم..والاحتقار كلما اخذ الكلمة داخل قبة البرلمان.. نظرا لما اشتهر به من تهور..وسطحية وانحراف اخلاقي..وجهله بامور السياسة واعماقها وابعادها واهدافها ..ومستواه المتدني اصلا..
> وبذلك..انتشر اسمه شرقا وغربا..بل صار لقب ” بُوجادي”..يُتَداول في الاوساط الشعبية ببلادنا منذ خمسينيات القرن الماضي كلما ظهر شخص مثله في قلة الحيلة.. وسذاجة الرأي والفكر.. ورداءة العمل والسلوك ايضا..
> وطبعا.. لا احد ينكر..كم من ” بُوجادي” يتربع الان تحت قبة البرلمان التونسي.. وهو نسخة طبق الاصل تقريبا من ذاك الرجل الفرنسي..مرورا ب ” القصاص” و”سنية بن تومية” .. ورهط كثير مما شابههما من النّكْبًويين..والقرامطة الجدد..
> ثم.. وهذا مربط الفرس.. أليس وضع تونس الان..بمشهدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي..ومن كل الزاويا.. يشبه تماما تلك الحقبة من الجمهورية الثانية الفرنسية في زمن ” البوجادي”..
> بمعنى ادق.. ان تونس ومعها او فيها نحن ..نعيش في خمسينيات القرن الماضي دستورا.. ونظام حكم.. وفي طابور العذاب والفقر والاستبلاه والنعيق..في انتظار عزرائيل.. !