لم يكن فجر الجمعة 26 جوان سهلا على رئيس الحكومة […]
لم يكن فجر الجمعة 26 جوان سهلا على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وطاقمه، ولم يكن أيضا كما انتظره المتابعون للأحداث التي تخللت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب التي تداخل فيها أمران: جدول الأعمال المخصص لتقييم أداء الحكومة على مدى الـ100 يوم الأولى من حكمها، وقضية ثانية أطلق عليها البعض مصطلح “الفخفاخ غايت”.
كانت الحصة الصباحيّة مشحونة حقّا ومولّدة لتوتّر شديد غشي كلمة رئيس الحكومة الذي زاد الطين بلّة بكلمة لم يستسغها النواب في مجملهم، ومولّدة لتوتّر أكبر لدى من أخذوا الكلمة خلال تلك الحصّة، وأجمعوا بأنّ ما صاحب خبر امتلاك الفخفاخ لمساهمات في شركات تتعامل مع الدولة يرقى إلى شبهة تضارب المصالح، وربما يتعدّاها إلى شبهة الجريمة عند نواب آخرين.
لكنّ الحصّة المسائيّة كانت أرحم من سابقتها، ولم تشهد الحصتان تجاذبات إيديولوجية تعودنا بها تحت قبّة البرلمان لو لم تهدنا عبير موسي باقة من باقات التهجّم والتصنيف المعتادة. كلّ ما حدث، بدا في توصيف إلياس الفخفاخ خلال ردّه فجرا بأنّ السياسيين عاشوا بهذه الأزمة تمرينا إضافيا على الممارسة الديمقراطيّة.
لقد أفرغ النواب جعبات سخطهم واتهاماتهم ودفاعاتهم أيضا، ولمّا هدأوا، عاد رئيس الحكومة إلى المنصّة ليردّ على جميع التدخلات والأسئلة المتكدّسة في أوراقه، مضطرّا ـ حسب ما يوجبه القانون الداخليّ للبرلمان ـ وليقدّم إجاباته دفعة واحدة، وهو ما لاحظه لرئاسة الجلسة مقترحا استبداله بنظام السؤال / جواب.
وفي المحصّلة، جاءت أجوبته واضحة، بل وبإسهاب غاب عن عرضه الصباحيّ، مستشهدا بأرقام أكثر، وموضحا الخيارات والرؤى حول مسائل وطنية سياسيّة وقطاعيّة، وأخرى إقليمية، ولم تحضر في كلمته عبارة استفزازية كما حدث صباحا، بل إنّه كان هادئا في الظاهر على الأقل.
لكنّ السؤال الذي بقي يتردّد في صمت هو: ما سرّ غياب ردّ واضح منه حول الاتهامات التي وجهت له، وكأنها لم تلهب الحصّة الصباحيّة ولم تغضب أولئك، ولم تحرج هؤلاء… هل تمّ اتفاق في الكواليس على تجاوز ما حدث لتمرّ الحصّة المسائية هادئة، أم أنّ الفخفاخ كان يعي ما قاله في الحصة الصباحية بأنّ هناك ما سيبطئ قليلا أو كثيرا، بمعنى أنّ ما قيل دخل التاريخ، وما على الأطراف الغاضبة إلا اللجوء للتحقيق كما يسمح به القانون الداخلي، أو حتّى اللجوء للقضاء إن لم يرضها ذلك؟
هل غفل الفخفاخ عن الردّ أم تغافل عنه؟ أم أنّه استغفل الطرف الثائر في وجهه؟ المسألة لا تبدو واضحة لمن لم يكن حاضرا تحت قبة البرلمان، وقد لا تكون واضحة أيضا للبعض ممن كان هناك، لكن المؤكد أن طبخة ما اعدت خلال فترة ما بعد الظهر جعلت نواب النهضة اقل حدة مما قد ظهرت عليه كتل أخرى.. فالفخفاخ دعي على ما يبدو إلى بيت الطاعة التي انساق إليها صاغرا تحت ضغط معارضة شرسة بعضها امتداد لحركة النهضة وبعضها الآخر حليف لها.. فللنهضة ملفات هامة تخص التعيينات في الجهات وفي المؤسسات العمومية وفي مفاصل الدولة، كما انّ عين النهضة مركزة على قصر قرطاج وهي تريد سحب البساط من تحت أقدام ساكنه الجديد الذي، وإن نجح في قلب الطاولة في جانفي المنقضي فإنّ السحر يبدو قد انقلب على الساحر اليوم بعد ظهور فضيحة “الفخفاخ غايت” وظهور قيس سعيد في موقف ضعف بعد ان اختار شخصية محل شبهة وهو الذي جاء يبغي مكافحة الفساد.. النهضة إذن سعت لفك ارتباط إلياس الفخفاخ بقيس سعيد وإلى جرّه بدهائها المعهود إلى بيت الطاعة. ويبدو أنّ المرحلة المقبلة ستشهد ليونة أكثر للفخفاخ في تعامله معها وربما القبول بشروطها لتوسيع الائتلاف حتى يضيع دم الحكومة بين المؤلفة قلوبها، ومعها تسقط أحلام قيس سعيد.
ناجي العباسي