تونس الآن تكاد تصريحات الرئيس قيس سعيّد وأفعاله ـ وربما […]
تونس الآن
تكاد تصريحات الرئيس قيس سعيّد وأفعاله ـ وربما ما ينويه أيضا ـ تكون مصدر متابعة وانتقاد وأحيانا تشكيكا، ربّما لأنّ البعض لم يستسغ جنوحه إلى نمط حكم غير معتاد، ولا يدخل في قالب المعهود والمتوقع من رئيس دولة.
بدأ الحال حين أعلن قيس سعيّد بصراحة وجرأة منذ خطابه الأوّل خلال المناظرة التلفزية مع منافس لم يحسن القول ولا الفعل يومها. وقد صدم خطابه ذاك الكثيرين من تلاميذ مدرسة المسايرة للموجود والموروث، خصوصا بعد حادثة إعفاء سفير تونس الدائم لدى المنتظم الأممي. ثمّ تراكم التباين بين سعيّد وهذا الشق من التونسيين حين أصرّ على استخدام اللغة العربية الفصحى في أقواله، وفاجأهم بخطّه المغربي المعرّق في ما يكتب، وزاد الأمر أكثر حين بالغ في الترميز حتّى حين يكون الأمر يتطلب الإبانة والتوضيح.
ومع الوقت، تعمّق ذلك التباين إلى حدود اللاعودة، وأفصح العديدون عن رؤى سياسية معادية تماما لما مضى فيه رئيس الدولة، وقد علّل البعض أحكامهم واكتفى الآخرون بالتفكّه.
آخر المسائل التي طرحت، موقف قيس سعيّد من الفوضى غير الخلاقة في مجلس نواب الشعب التي لا تعدو أن تكون صورة فاضحة لما انحدر إليه المجتمع السياسي، وها أنّ مشروع مدينة الأغالبة الطبية أصبح في ليلة وضحاها حديث الفتاوى التي يعتبر أصحابها أنّ الأمر جاء في غير وقته، وجاءت التعقيبات من أطراف تؤكد أنّ هذا المشروع ـ على العكس من كلّ ذلك ـ ولد في الوقت المناسب لرأب صدع البنية الاستشفائية المهترئة، ولبعث نفس للتفاؤل لدى من أعياهم الجدل السياسي الذي يسود بين الأحزاب إلى درجة التناطح.
بين هذا وذاك يمكننا أن نستبشر بكلّ جديد حتّى وإن كان مجرّد وعد، ما دمنا متعوّدين بالوعود الواهية. وإن كان الأمر أقرب إلى الجديّة والوفاء بالعهود كما قال الرئيس سعيّد بنفسه مساء الجمعة 10 جويلية 2020، فإنّنا نفرح بمدينة طبيّة، وبطريق ريفيّة، وبسدّ جبلي، وبإضافة قاعة إلى مدرسة، وبكرسيّ متحرّك يخرج مقعدا من عزلته، وبهبة يجتهد طبيب تونسيّ في إحضارها لإنعاش مستشفيات ومستوصفات تحتضر…
نفرح بالإضافة ونبتئس من حديث الصالونات، والأبواق المستأجرة التي تطرق طبلات آذاننا في القنوات التلفزية وفي “التراكن”، وعند كلّ حلقة نميمة لا بديل تقدّمه…
ليكن رئيسنا خارج السياق كما تدّعون ـ وهو في مواقع عديدة محتاج إلى من ينصحه حقّا ـ ولنكن نحن صائدي آمال باهتة بسبب واقعنا المزري، لكن لا مكان لمن يترصّد في ركن مظلم كمغنّ فاشل ينهش لحم من يحاول تقديم لحن جديد، أو كمدرّب لم يستأمنه أيّ فريق للإشراف على حظوظه فانهال على الجميع بمعول لسانه.
إن لم تفعل فلتدع الآخرين يفعلون، وإن شئت التجاوز ـ كما في قانون الطرقات ـ فللتجاوز أطر وقوانين ومراحل.
ناجي العباسي