بقلم :عبد الرؤوف بوفتح تابعت البارحة كاغلب التونسيين -ربما- تلك […]
بقلم :عبد الرؤوف بوفتح
تابعت البارحة كاغلب التونسيين -ربما- تلك المقابلة التلفزيونية الخطيرة للوزير الاول المخلوع ديمقراطيا وبالطريقة التونسية طبعا ” إليَاسْ الفَخْفاخ ” عبر احدى الفضائيات التلفزيونية الخاصة .
وللحقيقة ، فان كلام الرجل ليس فيه اسرار دولة ، ولم يُورّط نفسه في قضية الخيانة العظمى او افشاء معلومات تمس أمْننا القومي الذي نتحدث ونسمع عنه ، وكل ثيابنا الداخلية ، بل كل غسيل التوانسة من الصغير الى الكبير صار يُشار اليه في حبال كل اسطح الدنيا..
لقد كان ذكيا ومنضبطا جدا في ترتيب افكاره واختيار قاموس اوجاعه ضمن معزوفة سرد سهلة مفزعة وصريحة دون تلميح او أحاجي او اشارات غامضة لا يفهمها الا اصحابها.. اذ ما هو متهم به يكفبه وزيادة ،، لذلك ظل حريصا طيلة ردهات الحوار ومتماسكا، وهو يقص علينا ابشع واغرب القصص عن اغتصاب تونس ، وعن دولة اللصوص وقُطّاع الطرق والمرتزقة والمخادعين المحتالين التي صرنا نرزح داخل اسوارها.. وكيف عبث بها وبنا هؤلاء ،، طيلة عشرية كاملة بالطول وبالعرض ، جهارا ونهارا ، وظلوا يتفنّنون في كل مناسبة او محطة انتخابية في استبلاه هذا الشعب الطيب الصبور وخداعه ..وكيف اصًرّ مُحاوره على توظيف كلمة “المْشَامِيَهْ” في وصف حاله وحال البلاد بلهجتنا الدارجة (وهي تعني قِمّة الدهاء واستعمال المكر والخديعة) ، وهي رمز نتداوله نحن التوانسة خاصة بفن وحرفية عالية في لعب الورق ، في شكل اشارات خفيّة بالغمز والفم والحاجب واللسان ، وكل مصطلح فيها يشير الى ورقة بعينها بين يدي اللاعب ، فيبادر صاحبه في اللعبة بتسهيل الحصول عليها دون ان يتفطن الخصم لذلك في محاولة للكسب وربح النقاط والفوز بالنتيجة باقل مجهود .
ثم تسربت هذه الكلمة بعد ذلك الى عالم السياسة والتجارة والشطارة والشيطنة في كل شيء ، وفي وصف كيفية استيلاء واقتسام القطيع السائب السلطة والتحكم في دواليب الحكم عند كل اطلالة كذبة انتخابات باسهل الاساليب وباقل التكاليف والمخاطر.
وهل يوجد فزع اكبر من ذاك الفزع الذي تحدث عنه السيد ” إليَاس الفخفاخ ” ليلة البارحة..
وهل يوجد خطر على تونس ، اكثر من تحكم عصابة من المحتالين والفاسدين في رقابنا.. والى يومنا هذا..وكل هذا العبث الفاحش بمقومات وطننا ومؤسساته.. بل وبموروثونا السياسي والفكري والحضاري..؟
لقد باعونا يا سادتي.
باعونا بأبْخس الاثمان شرقا وغربا..والشعب الكريم يردّد في زَهْو النشيد الوطني.. وترتعد فرائصه وينتفض قلبه كلما هتف : اذا الشعب يوما اراد الحياة … وهو لا يدري المسكين انهم يضحكون عليه في الصالونات بِلَيْل ، بعد ان قتلوه مرارا..وهو يعتقد انه حي يرزق..
اني لا اتحدث عن اسباب سحب الثقة من حكومة ” الفخفاخ” ، ولا اتهم الرجل او أنزّهه من كيديات سياسة ” الدجالين” عندنا ، ففي جَيْبِ كل واحد فيهم حجارته.. لكني أردد ذاك المَثل دائما :
” الله يُسَلّط الكُفّار على الفُجّار”… فتراهم اثر اختلافهم حول تقاسم المسروق، والغنيمة ،، يتناطحون فيما بينهم كالماعز في الأحراش..وفي الزرائب ،، وحول آثار الاعشاب والمياه الراكدة..
ان الذي قاله ” الفخفاخ”.. ينفخ القلوب بحق ويشعل اكثر من حريق ، و يبعث اخر اشارة للغريق..
– الى اين تمضي بنا رياح هؤلاء اللصوص يااا سادتي بعد ان باعونا ثم اشترونا في سوق “زرقون” المشهور عندنا ، ونحن في غفلة من امرنا.. بل لا نعلم شيئا اصلا..
أمّا قبل :
…. اني أتحدّثُ أيضا عن المآذن التي لا تعرفها سماء ،، والمساجد التي تكتظ بالصلاة و لا يُتَقبّل فيها دُعاء…
أتحدثُ عن المستشفيات التي دائما ما بموت فيها الفقراء فقط وحيدين كالعناكب .. وعن ظل بعض الكنائس ،، والشعلة المترنحة للشموع أمام مذابحها في حضرة صلوات متأججة ومتقطعة … وعن لُغات مثل أوطاننا ، مثل ثوراتنا ،، وأوهامنا الكبرى التي تلدنا دائما وتلتهمنا …. تبتكرنا وتنسانا…..!!