بقلم : عبد الرؤوف بوفتح. لماذا تبدل كل شيء من […]
بقلم : عبد الرؤوف بوفتح.
لماذا تبدل كل شيء من حولنا ، حتى السماء بخيل اليّ مرات ، انها صارت في غير مكانها ..وصار الفرح فينا عسيرا ، والطمأنينة اضغاث احلام ، وصرنا ننام كطائر مالك الحزين على بعض جناح بل صرنا مثل جنود الحرب بالكاد نغمض عينا في حين تظل الاخرى مفتوحة على الذعر والحيطة ، ورصاصات الغدر والخيانات والبكاء..؟
لماذا صار الطيب اضحوكة ومضرب حماقة ، ومغفلا في الخلوة وعند الجماعة ، سرا وجهرا..
ينكره القريب والبعيد ، وتتجنب عشرته حتى أمّة الطير.
وصارت اغلب الناس اشرارا.. بل صار الخبيث والماكر والكذاب والمنافق والقذر في كل حركة وكلمة مقصد الذكر والانثى، ياسر الفلوب والالباب
وتسعى اليه حتى الجن و يلين تحت أقدامه الحجر
ويألفه حديد التراب..؟
لماذا ، كدت ادرك، انه كلما تفنن المرء في الكذب والرياء والتزلف والخديعة ،، صدّقه الناس اكثر
وسعوا اليه من كل فج عميق ، وركضوا الى اسطبلاته فرادى وجماعات ، وتدافعوا الى مَرْبضه مثل الدواب بكرة وأصيلا.. بل احبه الناس اكثر ، وعشقته قبائل من النساء بلا مهر ولا هدايا..؟!
لماذا صار كل شيء بلا مذاق وبلا جدوى ، حتى الهواء صار فاسدا وثقيلا كالنحاس من حولنا..وصارت الوردة اكثر حزنا منا..والارصفة موحشة ، والمدائن خلت من سحرها القديم ، ومن صَلْصلة الذكريات الجميلة ، ومن أريج التاريج..حتى حدائقنا ملأها النمل والدود ، وانكرها الحمام..؟!
اذكر ، اننا كبرنا مع الفقر والجوع والكبت في كل شيء..وكان الفرح بهطل في قلوبنا غزيرا مثل امطار الربيع ،،وكان الحلم اسهل ، وأجمل ..
وكان المتشرد يغني ولا بمد يده ..فتغدق عليه المارة.. وتُقَبّله النساء..وكان السكران وهو عائد الى جُحْره يملأ الرصيف ضحكا وشعرا واغاني الرعاة..فيعانقه عابر السبيل ..ويقوده الى باب غربته متلذذا سكرته وعذاباته.
أذكر جيدا..اننا كنا ننام قبل ان نشبع مثل القطط في مساحة مترين مربع..اخوة واخوات وحتى بنات الجيران ، ولم بعاشرنا الشيطان أبدا..وكانت قصص الغول التي نسمعها من جدتي كل ليلة..تخيفنا ثم نأخذنا الى نوم عميق فيه وداعة الغزال..
وحين يطل الصباح ، ننهض مع فراخ الدجاج ، ننقر اصابع أمي ، ونتحلق حول موقدها الكريم وهي تعدّ لنا الخبز ، فنتلقفه سخنا حارقا وشهيا كانه المَنّ والسّلْوى.. ثم ننصرف الى حالنا كالفراشات، وبلا أقدام نطير..
لم اعد أعرف بالضبط أين اختفت كل مظاهر تلك الحياة البسيطة الراقية العذبة ..
ولم أعد افهم ماذا جرى للناس…ولماذا انتشر كل هذا السوء والمكر و القبح والسواد في النفوس.. وانهدمت القبم والمبادىء والاخلاق..وضاعت الفضيلة..
وصار رجل الجاهلية افضل منا شهامة وكرما ومروءة ونبلا ، وصرنا نحن الى الخنساء.. دون بقية النساء..؟!
ما أبشـع هذا الزمن المارد
وأنا أنظر إليَّ عبر زُجاج ذاكرتي
قلبي بلاد يَـمْلَـؤُها الغرباء .
وحضارة ضائعة .
… نَعَمْ يا أبا سفيان
.. ما جدوى البكاء عند أَكْتافِ هند..!