بقلم علي الجليطي ونحن نحتفل هذه الأيام مع منظمة العربية […]
بقلم علي الجليطي
ونحن نحتفل هذه الأيام مع منظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بيوم اللغة العربية يسعدني أن أشيد بهذه المناسبة بخصال المربّين الذين سهروا في الستينيات والسبعينيات على تربية أجيال من أبناء تونس في مختلف المدارس والمعاهد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بما يستحق منا التعبير لهم عن كل التقدير والتبجيل والاحترام.
ومن بين هؤلاء أعتز كثيرا على سبيل الذكر بأستاذ اللغة العربية في معهدنا الثانوي بمدنين سنة 1965 السيد البشير التلمودي الذي يتمتع في نفسي حتى اليوم بكثير من التقدير والمحبة لأنه رسخ فينا محبة هذه اللغة والاستمتاع بها تعبيرا وكتابة، تماما كما كان مدرّس “التفكير الإسلامي” الأستاذ الحبيب المخ الذي يتميز بكفاءة عالية وبقدر كبير من الجدية والنفع من حيث صقل العقول بدروسه الشيقة التي علمتنا مناهج “التفكير” السليم والمنطقي والعلمي وطرح المسائل الماورائية بفكر عقلاني منفتح. فبيّن لنا إبداعات الإسلام الصحيح الذي يحرر العقول من عقالها أي من التفكير الخرافي والغريزي. فكانت دروسه بلغته العربية السلسة وتحاليله لفلسفة الإسلام قمة في العمق والطرافة التي تجعلك تؤمن بالحب والخير وتعشق الحياة والنشاط وتعمل في الحياة لدنياك وآخرتك بنفس القوة والعزم والثبات.
هذه القيم السمحة التي تتناقلها أجيال التعليم والتربية في تلك الفترة ترسخت كذلك في نفسي بفضل دروس أساتذة الرسم والرياضة والموسيقى، وكذلك بفضل حصص الأساتذة الأجانب الذين اختصوا بالمواد العلمية كالرياضيات والعلوم الطبيعية مثل أستاذ العلوم السيد “شامبو” الذي كان معروفا بحبه للطبيعة فكانت معظم دروسه تتم خارج القسم أي في الحقول والروابي المحيطة بالمعهد، أما السيدة “رنغلي” أستاذة الفرنسية فكانت أمّا ومربّية فعلا للتلاميذ فضلا عن كونها مدرّسة ماهرة. وحين أشيد بهؤلاء الأساتذة التونسيين والأجانب، فاني أود الإشادة أيضا بمدرسي الفلسفة، بما فيها من فلاسفة العهد الإغريقي ومفكري عصر الأنوار والقرن العشرين، بل وكذلك بفضل الأساتذة المختصين التونسيين في مجالي النجارة والحدادة الذين ساهموا في المرحلة الأولى الإعدادية في نحت شخصية التلميذ وتحسيسه بقيمة الفعل اليدوي.
وخلاصة القول، وخلافا لما يراه البعض من إسهام التعليم في العهد الماضي في انفصام شخصية التلميذ، فاني اعتقد أن تلك المرحلة من الدراسة كانت بالعكس تجذر لديه بالنهاية الوعي بذاته وهويته وإدراك التكامل بين العقل والجسم، والترابط بين الروح والمادة، فضلا عما كانت سببا لي في تعميق هواية التفكير والتعبير باللغة العربية وإثرائها باللغات الأخرى وتسجيل كل ما يجول في ذهني من خواطر وأفكار وهواجس في مختلف المجالات ومن بينها على سبيل الذكر ما يتعلق بالطبيعة وخالقها وهو ما سأعود إليه في حلقة قادمة بحول الله.