أسارع القول إني لن أطيل في هذه الكلمة الموجزة تكرارا […]
أسارع القول إني لن أطيل في هذه الكلمة الموجزة تكرارا مملا و سأقتصر على إختصار راجيا ألا يكون مملا، فخير الكلام ما قل و دل .
لم أتمالك على ضبط نفسي حيال ما تبادل لعلمي من آراء وأفكار ومقترحات هادفة لتقديم الحلول المخولة لتجاوز البلاد آثار الأزمة المهددة لسلامتها في ظروف يحمد عقباها وقد اختلفت هذه الآراء بشأن السلوك المتوقع توخيه من قبل رئيس الجمهورية تبعا للقرارات والإجراء ات الاستثنائية الواقع اتخاذها في نطاق ما اقتضته أحكام الفصل 80 من الدستور ، حيث اطمأن فريق وصف ” بالمتفائل ” بأن الرئيس احترم الدستور في نطاق مبادرته المذكورة وأن الأصل في الأمور سلامة نيته واسترساله على هذا النحو إلى أن يثبت ما يخالف ذلك بتصرفه على نحو مغاير .
في حين توخت في المقابل فئة أخرى وصفت “بالمتشائمة” موقفا مغايرا يقوم على لزوم ملازمة الحذر استنادا لكونه من الحرص والحزم سوء الظن تفاديا لحصول كل مفاجئة قد لا تضمن حسن العاقبة.
كما لا يخفى بروز قسم آخر وصف “بالمتوافق” مناديا باتجاه تبني الحوار الفعال دون إقصاء لأي كان ضمانا لمآل حسن الحال.
فخلاصة القول إنه لم يستقر رأي موحد تتسع له الصدور وتنفرج به الأمور، ذلك أنه من المقولات المأثورة أن إرضاء الجميع غاية لا تدرك .
لا شك من أن كل متابع لوضعنا الراهن تتملك صميمه وتختلج كيانه حيرة لها مبرراتها ومسوغاتها بالنظر لأهمية وخطورة الأزمة المتداعية آثارها على جميع الميادين، السياسية منها والإقتصادية و الإجتماعية التي تعيشها البلاد ومدى انعكاسها على مستقبلها العاجل والآجل.
لقد ضاق صدري، فلم أتمالك عن ضبط نفسي وكبح جماح إنطلاق لساني للتوقف عند الإحتمالات الوارد حدوثها في مجال التصور للخروج من إنسداد الأفق تبعا للأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد .
*إن المتبادر للذهن أنه وإن تضمن الفصل 80 من الدستور ،منفذا و ملاذا لإكساء التدابير التي اتخذها رئيس الجمهورية بتاريخ 25 جويلية 2021، الصبغة الدستورية لتقديره توفر جدية حالة الخطر الداهم المهدد لكيان الوطن ‘حسب رأيي المتواضع السابق الإشارة إليه ‘ .
إلا أن ما نصت عليه الفقرة الثانية من هذا الفصل من كونه ‘يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال’ يبدو جليا أن واقع الحال يجعل تحقيق هذه الغاية متعذرا إن لم نقل مستحيل المنال باعتبار أن مرد الأسباب التي أدت إلى تحقيق الخطر الداهم المهدد لكيان الدولة لا تكمن في انتشار وتفشي الفساد الذي اكتسح عمل مجلس نواب الشعب والمناخ السائد به وفي سوء أداء الحكومة فحسب، ولا أخاله خفيا ماآل إليه هذا الوضع العام للبلاد ولا حاجة في إعادة وصفه الممل والمخل بجميع الضوابط القانونية والمقاييس الأخلاقية فبيان الواضحات من الفاضحات.
وبالتالي فإن استبعاد واستئصال كافة النواب غير المؤهلين لمباشرة مهامهم المناطة بعهدتعم من المجلس، وفقا لما يقتضيه القانون، لايفي بالحاجة المطلوبة ولا يحقق الغاية المنشودة، ذلك أن مضمون الإطار التشريعي الحالي المتعلق بالدستور وبالقانون الانتخابي، أثبتت التجربة ومجريات الأحداث السياسية المتعاقبة بما لا يدع مجالا للشك ،أنه لم يضمن الاستقرار السياسي المرتبط به إزدهار ورقي الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد ‘علما أن المقصود من كلامي هذا ليس من جنوحي إلى أفضلية النظام الرئاسي على النظام البرلماني أو العكس بقدر ما أن توجهي يتعلق بوجوب حسن توزيع الصلاحيات والمهام الدستورية بين سائر السلط الثلاث في الدولة دون خلفيات مسبقة لا يراعى فيها مبدأ الاستقلال بين السلط،مع تعاونها و تكاملها لضمان تحقيق المصلحة العليا للوطن”. وحيث أضحى من هذا المنظور أنه لا مناص من وجوب معالجة الأزمة الراهنة من زاوية قانونية بحتة فقط بل يتعين كذلك التفكير المتبصر والتدبير المقدر للجانب السياسي في هذا الصدد.
لذلك رجائي أن يكون في رحابة صدركم متسعا لا يرهق مسمعكم للأفكار الآتية التي راودتني والإنطباعات التي خامرتني المتعين مراعاتها لغرض استكمال التدابير الواقع اتخاذها من لدن رئيس الجمهورية:
*ضرورة الإسراع والإستعجال في تكوين حكومة تتسم بالكفاءة والخبرة والنزاهة لمجابهة الوضع الخطير المهدد لكيان الدولة واتخاذ ما يتعين من الإجرا ء ات العاجلة والآجلة، وفقا لبرنامج كفيل بإرجاع الأمور لنصابها.
*ضرورة استفتاء الشعب بخصوص تعديل الدستور والقانون الانتخابي في أقرب الآجال المعقولة يكون كفيلا بإزالة الخلل والعيوب المؤدية إلى الوضع الحالي وتسند مهمة إعداد مشروع الاستفتاء إلى نخبة من صفوة من هم مشهود لهم بالوطنية والكفاءة لدى الكافة.
*ضرورة استفتاء الشعب كذلك بشأن تركيبة أعضاء المحكمة الدستورية بالنظر لبالغ أهمية هذه المحكمة المستمدة من أهمية الصلاحيات الموكول إليها الإضطلاع بها وتسند مهمة تحديد تركيبة المحكمة المعروضة على الإستفتاء إلى نخبة مشهود لها بالوطنية والكفاءة والنزاهة والإستقلالية وهو مايستتبع حتما وبالضرورة وجوب استبعاد كل من نهضت في شأنه الحجة للانتماءلأي اتجاه سياسي كان.
وإني على يقين، بتواضع لا يتملكه أي غرور، أن توخي هذا المنحى يجنبنا ما سبق أن لاحظناه من عزوف في مشاركة المواطن في الانتخابات الماضية فيضمن إقباله المكثف على المشاركة في الحياة العامة لإيمانه بنجاعة دوره في هذا الغرض فتتحقق معه أسمى مظاهر الديمقراطية في عودة السيادة للشعب.
وفي هذا السياق ، لا يفوتني الرجاء في الأمل أن تتاح الفرصة لتكوين أرضية وتهيئة فضاء تتفاعل فيه الأفكار
وتتلاقح فيه الآراء برجاحة العقل ورشد البصيرة فتصدر عنها توصيات ناجعة ومفيدة لمصلحة الوطن
و الله هو الموفق و الهادي إلى سواء السبيل
خالد العياري الرئيس السابق لهيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين