لست أدري حقّا من أين أبدأ، ولكن ليس من الأمر […]
لست أدري حقّا من أين أبدأ، ولكن ليس من الأمر بدّ… يجب أن أنفّس عمّا يجثم عل صدري. سأكون صريحا معكم: بيتي مسكون بالخفافيش وهذا سرّ بيني وبينكم وأتمنّى عليكم أن تحفظوه ولا تفشوه.
هل هي نتيجة لحالة نفسية أشعر بها منذ سمعنا جميعا بدور الخفافيش في تحوّل فيروس تاجي من مجرّد فيروس “سارس” إلى فيروس وحش سمّوه “كوفيد-19″؟ هل هو هلوسة وتهيؤات أم ماذا؟
سأبسط الموضوع بأكثر وضوح…
منذ 50 يوما، لازمت البيت وقلت إنّ عليّ الانضباط لما أملوا عليّ حتّى وإن كنت أضحك منهم في البداية: كيف سيصل الفيروس إليّ أنا بالذات؟ هل سيسافر آلاف الكيلومترات ليفسد عليّ راحة بالي؟ لا أظنّ، ولكن لا بأس… لقد قالوا لنا: “لازموا بيوتكم وسندلّلكم كما لم نفعل معكم من قبل… كلوا واشربوا واستريحوا. لقد اشتغلتم طويلا وتعبتم وحان وقت استراحة المحارب… لا خوف من الفقر الذي ظلّ يدفعكم كل يوم إلى الإصباح في بطون الحافلات، ثمّ الإمساء بوهم الإفلات من الحاجة… هذه المرّة سنفتح لكم حنفية المال في جدران البنوك، وسنفتح حنفية الرحمة في قلوب أصحاب البنوك، حتّى أنّهم لن يقتطعوا من رواتبكم مليما واحدا. أجل… هذا اليوم الذي حدّثتكم عنه “الدقازة”…
وهكذا تسللت الخفافيش إلى بيتي، ومن المؤكد أنّها في بيوتكم أيضا، إلاّ كيف تفسّرون أن أستيقظ كلّ صباح لأجد أولادي جامدين في غرفهم ولا ينقصهم إلاّ التعلق كلّ بسقف غرفته يتدلّون رأسا على عقب، ويقضون كامل اليوم في حالة الجمود نفسها، وإذا جنّ الليل ينطلقون إلى حواسيبهم وهواتفهم المتذاكية وكلّ حواسّهم صارت تحسّسا بلا إدراك، ونظرا بلا إبصار، وإذا سألتهم قالوا بتثاقل: ‘أرجوك لا تقاطعنا، نحن في حالة إبحار”.
لقد حوّلوهم إلى خفافيش لا تعترف بضوء النهار… لقد منحوهم الأنترنات بلا عدّاد طيلة أشهر الحداد على نسق الحياة التي اعتادوها ودفعوهم ـ بقصد أو دون قصد ـ إلى تقصّي ساعات وفرة الدفق الفضلى وعلّموهم الموت في الواقع والحياة في المتخيّل… كلّهم صاروا خفافيش ينطلقون بلا عيون في الليل ودليلهم الوحيد هو اللقاء في سماء التشات والتاغ والميساج والـfollow وبيع الذات لمن يدفع أكثر، وبعضهم يتسلّل إلى الأنترنات العميقة أو المظلمة ويتيهون في غياهب خطرة.
أليسوا خفافيش؟ أعلم أنّ لا أحد منّا أختار ذلك، ولكن هل من مساعد ومرشد يذكّر الشباب ـ وربما الأطفال أيضا ـ إلى أنّ الأنترنات متاهة وفخّ يشبه ما ينصبه الصيّاد لالتقاط السلطعون من قاع البحر… لقد هربنا من خفافيش الصين وما أنتجته من وباء وسقطنا في وباء لا لقاح له إلاّ فينا، فاحترسوا.
ناجي العباسي