رأي: واستنكرت عدة منظمات من المجتمع المدني قيام رئاسة الجمهورية بنشر مرسوم يهدد جوهر حرية التعبير والصحافة قبل بضعة اسابيع من انطلاق فترة الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها.
تونس الان :
صدر بتاريخ 13 سبتمبر 2022 المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
وقد تضمن هذا المرسوم 38 فصلا موزعة على خمسة أبواب، تنص على تسليط عقوبات سجنية مشددة على مرتكبي ممارسات مصنفة حسب المرسوم، جرائم مثل إنتاج وترويج الإشاعات والأخبار الزائفة، نشر وثائق مصطنعة أو مزورة، وعرض بيانات ذات محتوى إباحي تستهدف الأطفال.
حيث نص الفصل الأول منه انه “يهدف الى ضبط الأحكام الرامية إلى التوقّي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال وزجرها وتلك المتعلقة بجمع الأدلة الإلكترونية الخاصة بها ودعم المجهود الدولي في المجال، في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية.”
ويلاقي هذا المرسوم معارضة واسعة من اغلب ان لم نقل كل مكونات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والمدنية والتي تؤمن بحرية التعبير وبلامحدودية الابداع.
رفض واسع من الحقوقيين والمجتمع المدني
ونذكر ان مجموعة من منظمات حقوق الإنسان ادانت بشدة المرسوم الجديد لجرائم الاتصال والمعلومات في تونس وخاصة القسم الفرعي الثالث بخصوص “الإشاعة والأخبار الزائفة” حيث ينص الفصل 24 “يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها 50.000 دينار كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان. ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديا أو معنويا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية. وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو شبهه.”
واستنكرت عدة منظمات من المجتمع المدني قيام رئاسة الجمهورية باصدار مرسوم يهدد جوهر حرية التعبير والصحافة قبل بضعة اسابيع من انطلاق فترة الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها.
واكد المجتمع المدني وجود وسائل بديلة لمكافحة “الاخبار المزيفة و الاشاعات” دون المساس من حرية التعبير و الصحافة التي تعتبر مكسبا من مكاسب ثورة 2011 مثل تعزيز آليات مستقلة للتحقق من الأخبار، دعم الدولة لوسائل الإعلام المستقلة والمتنوعة والتعليم وتعميم التربية على وسائل الإعلام، لذلك حثت الجمعيات والمنظمات رئيس الجمهورية على سحبه فورا من أجل دعم حرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد ودعوته الى تنظيم مشاورات مع المجتمع المدني لإعداد تشريعات جديدة تتناول جرائم الإنترنت مع ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية والحريات للجميع في تونس.
ومنذ انطلاق تطبيق المرسوم 54 الملقب بسيء الذكر احيل عدد من الصحفيين بمقتضاه الى جانب مدونيين ونشطاء، ولعل اصحاب اغنية “زارنا الحاكم في الليل” خير دليل على الاستعمال المفرط لهذا المرسوم، فكل من يكتب حتى تدوينة انتقادية يحال وفق المرسوم .
المرسوم 54 اثار حفيظة حتى أنصار الرئيس على راسهم حركة الشعب التي تسعى عبر كتلتها في البرلمان الى ايجاد حل لهذا المأزق.
المناصرون لم يسلموا
المرسوم مثلما يقال اتى على الاخضر واليابس، معارضين ومناصرين، حتى ان انصار الرئيس شملهم هذا المرسوم .
وفي هذا الاطار كشف محمود بن مبروك الناطق الرسمي باسم مسار 25 جويلية أن وزراء وصفهم بـ”الفاشلين” في مهامهم يرفضون النقد فيقومون بهرسلتهم وفق تعبيره، مبينا أنه بمجرّد حديثه عن الفساد داخل وزارة المالية تحرّكت “ماكينة” ضدّه وتم رفع 3 شكايات في حقه، كما تم فتح 3 أبحاث تحقيقية ضده في نفس اليوم وبسرعة كبرى.
في نفس السياق ايضا أعلن زميله في المسار عبد الرزاق الخلولي انه تمت احالة بن مبروك بمقتضى المرسوم 54.
تتالى يوميا الدعوات الى سحب هذا المرسوم او تنقيحه لما يحمله من تهديد جدي للحريات في تونس، وفي غياب قرار رئاسي يظل الامل قائما عى مجلس النواب لتغييره بقانون جديد تضم فصوله الغاء العمل بالمرسوم الحالي.
منى حرزي