مال وأعمال - شركات: في أواخر العام الماضي، كانت منطقة اليورو تواجه رياحاً معاكسة كبيرة نتيجة لسلسلة من الصدمات السلبية الحادة والواسعة
في أواخر العام الماضي، كانت منطقة اليورو تواجه رياحاً معاكسة كبيرة نتيجة لسلسلة من الصدمات السلبية الحادة والواسعة. وبالإضافة إلى الاضطرابات التي خلفتها جائحة كوفيد، واجهت المنطقة التداعيات الجيوسياسية الناجمة عن الصراع الروسي الأوكراني، ومعدلات التضخم المرتفعة والآخذة في التصاعد، واحتمالات حدوث أزمة طاقة وشيكة خلال فصل الشتاء. ومع ذلك، وفي ظل هذه الخلفية المتشائمة، أثبت اقتصاد منطقة اليورو مرونته بشكل غير متوقع.
ووفق التقرير الأسبوعي للبنك الوطني القطري QNB ظل مؤشر المفاجآت الاقتصادية، الذي يقارن إصدارات البيانات بالتوقعات، داخل النطاق الإيجابي خلال بداية العام. وهذا يشير إلى أن الأداء الاقتصادي تجاوز التوقعات، حيث تمكن من تجنب الانكماش المتوقع على نطاق واسع في الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن، بدأت سلسلة من الصدمات السلبية تؤثر تدريجياً على الاقتصاد بعد الربع الأول. وأصبح التدهور واضحاً في قطاع التصنيع في بداية الأمر، حيث أظهر مؤشر مديري المشتريات (PMI)، وهو مؤشر قائم على الاستطلاعات يرصد اتجاه النشاط الاقتصادي، أن قطاع التصنيع قد انكمش بالفعل في النصف الثاني من عام 2022، واستمر هذا الاتجاه السلبي في التزايد بشدة طوال العام مع تراجع التعافي في الصين وامتلاء المخزونات العالمية. وقد ظل قطاع الخدمات، الذي يمثل حوالي 70% من الاقتصاد، يدعم الأداء الاقتصادي، لكنه دخل النطاق السلبي في نهاية الأمر في أغسطس على خلفية الرياح المعاكسة المستمرة المرتبطة بتشديد الأوضاع المالية وانخفاض الدخل الحقيقي. في ذلك الوقت، كان الضعف واضحاً في مختلف المجالات، حيث أظهرت مؤشرات مديري المشتريات انكماش كل من قطاعي الخدمات والتصنيع في أكبر أربعة اقتصادات في منطقة اليورو (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا). سنناقش في هذا المقال ثلاثة عوامل تساهم في استمرار ضعف أداء اقتصاد منطقة اليورو في الأرباع العديدة القادمة.
أولاً، من المتوقع أن تظل الأوضاع المالية مشددة على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة وعملية تطبيع الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي. ولمكافحة التضخم، قام البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة بواقع 425 نقطة أساس منذ يونيو من العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، يواصل البنك الرجوع عن تدابير توسيع ميزانيته العمومية التي تم تنفيذها خلال الجائحة، وهو ما سيزيد من عدم توافر الائتمان. وبالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الائتمان بالنسبة للأسر والشركات، أصبح الائتمان أقل توافراً نظراً لمعايير الإقراض المشددة المطبقة من قبل البنوك. ونتيجة لذلك، فإن الائتمان، وبعد تعديله وفقاً للتضخم، قد تقلص بالفعل بنسبة 4% على أساس سنوي.
ولا يزال ضيق أسواق العمل، والتعافي المستمر في أسعار الطاقة والسلع الأساسية، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم في قطاع الخدمات، يغذي الضغوط التضخمية. هذا يدعو البنك المركزي الأوروبي إلى الحفاظ على أوضاع نقدية أكثر صرامة لفترة أطول من الزمن، الأمر الذي سيستمر في التأثير على النمو الاقتصادي.
ثانياً، أصبحت التجارة العالمية تمثل رياحاً معاكسة لمنطقة اليورو مع استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي. ومن المتوقع أن تنمو أحجام التجارة العالمية بنسبة 1.7% في عام 2023، وهي نسبة ضعيفة مقارنة بمتوسط 2.5% في فترة الخمس سنوات السابقة لجائحة كوفيد-19 (2015-2019). وقد بدأ هذا الأمر يؤثر بالفعل على اقتصاد منطقة اليورو، وخاصة في البلدان الأكثر توجهاً نحو الصناعة. وخلال النصف الأول من العام، أدت التطورات في قطاع الصادرات إلى مساهمة سلبية في النمو بنسبة 0.3% في منطقة اليورو، وسوف تستمر التجارة في تقييد النمو خلال الفترة المتبقية من العام. ومن المرجح أن يؤدي التباطؤ الحاد في النمو في الصين إلى تضخيم هذه المشاكل، وخاصة بالنسبة للبلدان التي لديها روابط قوية مع هذا الاقتصاد الآسيوي، مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا.
ثالثاً، تواجه منطقة اليورو تحديات كبيرة مرتبطة بضعف قطاع الطاقة والاعتماد الكبير على واردات النفط والغاز. ويتجلى هذا الضعف بشكل أكثر وضوحاً في قطاع الصناعة، حيث أصبحت القاعدة الصناعية في ألمانيا عُرضة بشكل خاص لنقص محتمل في الغاز. وتوجد حالياً بدائل محدودة على المدى القصير لواردات الطاقة الروسية في منطقة اليورو. ويؤثر هذا سلباً على إجمالي تكوين رأس المال الثابت في أوروبا. وفي المستقبل المنظور، سوف يستمر الضعف في مجال الطاقة في التأثير على قرارات الاستثمار.
بشكل عام، نتوقع نمواً اقتصادياً ضعيفاً في منطقة اليورو في المستقبل نظراً لتشديد الأوضاع المالية وضعف الطلب الخارجي واستمرار ضعف قطاع الطاقة. ونتوقع أن ينمو اقتصاد المنطقة بنسبة 0.6% هذا العام، وأن يظل في حالة من الركود في عام 2024.